في السوق الشعبي بمدينة نجران، يجلس أقدم خياط ملابس نسائية ورجالية في المنطقة في دكان لا يتعدى 3 أمتار، والذي يزاول مهنته هذه قبل أكثر من نصف قرن، منذ كان في سن العاشرة. إنه العم محمد سروان الذي لا زال يمتهن هذه المهنة حتى اليوم، وأصبح من أشهر رواد هذه المهنة. يقول سروان: مارست المهنة منذ 50 عاما، حيث كنت أقوم في بداية الأمر بخياطة الثياب الرجالية والنسائية بيدي حتى استعنت بماكينة خياطة، وربما كانت أول ماكينة خياطة تدخل منطقة نجران قبل نحو 35 عاما، وتوالت بعدها هذه المكائن وكان كل ما تعطلت ماكينة لدي من نوع «سنغر» أقوم بوضعها في مستودع عندي حتى شاءت الأقدار وظهرت تلك الشائعة التي ساهمت بتنظيف مستودعي من تلك المكائن، والتي يزيد عددها عن 300 ماكينة هي حصيلة المهنة طيلة نصف قرن من الزمان وبمبالغ لا أتخيلها. ويشير العم محمد إلى أن حجم إنتاجه في العام يتجاوز 100 ثوبا من الثياب الشعبية، سواء للرجال أو النساء، وأن أسعارها تتراوح ما بين 300 ريال إلى 150 ريالا، وقال انه شارك في الجنادرية 25 مرة، وان الملابس الشعبية القديمة بدأت تستعيد بريقها في ظل الموضات الجديدة، ومهرجان الجنادرية كفل لها ذلك. وعن حجم مبيعاته في الجنادرية يؤكد انه في كل عام يبيع فوق الخمسين ثوبا لزوار ومرتادي جناح نجران. ويصف بن سروان مهنته فيقول: كان العمل في الماضي بطيئا جدا، إذ كنا نستخدم الخيط والإبرة والتطريز اليدوي، وكان الثوب الواحد يستغرق منا أسبوعا كاملا لخياطته. مؤكدا أن المرأة في السابق كانت لا تفصل ثوبا إلا كل سنة أو سنتين أو ثلاث، بخلاف الوقت الحاضر الذي ربما تجد المرأة تلبس في اليوم الواحد أكثر من ثوب في المناسبة الواحدة. ويشير إلى أن مقاسات المرأة كانت تؤخذ من والدها أو زوجها أو بالخيط ويأتي به لي وأقوم بالتفصيل علي ضوء تلك المقاسات، وعندما تكبر البنت ويقصر الثوب، يمكن أخذ وصلة بطول ذراع أو ذراعين، وأقوم بوصلها في الثوب، وفي حال ان الثوب شق أقوم برقعه بقطعة من نفس الثوب. وعن الأزياء الشعبية النجرانية يقول بن سروان: كان هناك «المزندة والمكمم»؛ والمزندة تمتاز بجمال التصميم والنقوش لأنها تصنع من أقمشة ملونة مع أكمام ضيقة ولها وسط ضيق يتسع كلما اتجهنا إلى أسفل، وسعرها يتجاوز 200 ريال.. أما المكمّم فهو عبارة عن ثوب أسود من قماش يسمى «الطاقة»، ذي اتساع شديد من الأسفل ويضيق كلما ارتفع إلى الوسط، وله أكمام عريضة جدا يصل عرض الواحد منها أحيانا إلى عرض ثوب كامل، وتلبسه المرأة عادة فوق ثوب آخر ويصل سعره الآن إلى 300 ريال. أما أنواع الثياب الرجالية فأشهرها «المذيّل» والثوب العادي، وتصنع من البز السواحلي وتصل اسعارها إلى 150 ريالا. ويختتم بن سروان حديثه قائلا : إن حبّ الناس ورضاهم ومعرفته لهم طيلة السنوات الماضية هو ما جعله يصرّ على البقاء في هذه المهنة وتحديدا هذا المكان في دكانه القديم، الذي لازال يحتفظ بعبق الماضي ورائحة الأصالة رغم التقدم العمراني في كل شيء.