*ما يحدث في المشهد الإعلامي أمرٌ يبعث على الحيرة والأسف في آنٍ معًا.. فبعد أن ظلت الفضائيات طوال العقد الماضي تتكاثر على طريقة الأرانب، مما خلق فراغًا برامجيًا كبيرًا اضطرت معه بعضها للاستعانة ب (صوير وعوير) من أجل ملء هذا الفراغ، حتى وإن كانوا بلا أدنى معرفة أو سابق خبرة إعلامية!.. الأمر الذي ساهم في إنتاج وتكريس ما يمكن تسميته بثقافة (الاستلطاخ) الإعلامي.. وهي ثقافة فضائية صاخبة وفارغة من المحتوى، لم تقدم لوعي المشاهد شيئًا، بقدر ما ساهمت في استنزاف جيوبه، وفي تلميع صور (صوير وعوير) أنفسهم.. وتقديمهم على أنهم نجوم المرحلة!.. فصاروا بفضل (الفراغ الإعلامي) نجومًا يُشار إليها بالبنان.. وبعد أن كانوا يقبعون في سفح الهرم الاجتماعي أصبحوا يطلون علينا من مواقعهم الإعلامية الجديدة.. ينظّرون.. يهرطقون.. يبيعون علينا مشاكلنا.. وبالطبع.. يكسبون من ورائنا الملايين!. * (الاستلطاخ) مصطلح شديد البلاغة، يعني استغفال الآخرين والصعود على أكتافهم من أجل تحقيق مصالح شخصية، وهو عين ما تفعله قنوات الغفلة التي تنظر إلى المشاهد باعتباره (حمارًا تلفزيونيًا).. وعين ما يفعله نجومها المرتزقة الذين استمرأوا التلاعب بأحلام العاطلين والفقراء والمراهقين فنصبوا لهم الفخاخ حتى في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) و(فيس بوك) بدليل ما نشهده بينهم من تنافس محموم على كسب المعجبين والمتابعين.. ليس لمجرد التباهي بالعدد فحسب (على أهمية ذلك بالنسبة لهم).. بل حولوها إلى علاقة سيد بأتباعه- بحسب تعبير أحدهم- بالإضافة إلى ما تتيحه لهم هذه المجاميع من استمرار لفرص النجومية والشهرة والثراء!. * ملايين المواد الإعلامية تُلقى يوميًا في فضاءات تلك القنوات وفضاءات تويتر وفيس بوك، لكن لا شيء منها يمكث في الأرض.. معظمها يذهب جفاء لأنه في الأساس لا يقول شيئًا ولا ينفع الناس.. مجرد صراخ و(ولوله) لا تثير غير المزيد من الحيرة والتشوه في نفوس المتابعين، فضلًا عما قد تؤدي إليه من لَبْسٍ وإساءة فَهْمٍ لكثير من القضايا الوطنية.. الأمر باختصار استظراف فج، وبحث عن بطولات وهمية.. ومحاولات سمجة لجر أقدام المزيد من (الأتباع).. هو أشبه ما يكون بجلسات (الزار) الجماعية التي يُفَرِّغُ فيها المرضى والمكتئبون شيئًا ممّا يعتملُ في صدورهم فيتوهمون أنهم قد شفوا، بينما يحصد المشعوذون والسادة الشهرة والنفوذ والملايين!. * بالتأكيد لستُ ضد الظهور في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي.. لكنني ضد الاستغباء بكافة أشكاله وضد التربُّح والاتجار بهموم وآلام البسطاء والمهمشين.. وضد كل الكائنات الطفيلية التي تعيش على دماء المحتاجين تحت شعارهم الخالد (استلطخوا.. إنّا معكم من المستلطخين).