إذا كانت أيام مولد الأبطال تحتل موقعاً بارزاً في تاريخ الشعوب والأمم، فإن تواريخ وفاتهم دائما ما تأتي حافلة بالدلالات التي تستحق القراءة والتأمل. الأبطال يولدون ليضيفوا المزيد إلى صفحات التاريخ المجيدة، . لكن الأبطال لا يرحلون عن دنيانا هكذا... إنهم يرحلون ويغيبون عن المشهد مخلفين وراء رحيلهم إشارات لما قد يكون مخبأ في رحم المستقبل. غاندي لم يرحل إلا بعد أن بلغت الأمة الهندية سن الرشد، وأصبحت قادرة على السير في طريقها دون أن تشترط في زعيمها المستقبلي حيازة التأثير الروحي إلى جانب ملكة القيادة. ورحيل إنديرا غاندي كان مؤشرا على أن الأمة الهندية تجاوزت مرحلة الحاجة إلى الزعماء الأفذاذ والقادة التاريخيين، فتحولت رئاسة الوزراء إلى منصب سياسي لا يتطلب امتلاك مقومات الزعامة كما كان الحال أيام نهرو وابنته إنديرا غاندي... ألا يجهل معظم الناس اسم رئيس وزراء الهند الحالي؟ بالمقابل فقد آذن رحيل مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس بانتهاء عصر القيم في أميركا. أما رحيل جون كينيدي فقد كان مؤشرا على انتهاء عصر الرومانسية والأحلام الكبرى ليس على مستوى السياسة فقط ، بل وعلى مستوى الثقافة والمزاج العام. واليوم وفي هذا الظرف التاريخي الدقيق، تودع الجزائر والوطن العربي قائد ثورة المليون ونصف مليون شهيد، أحمد بن بيلا، فهل يعني رحيل الرجل في هذا الوقت، أنه يعلن براءته من الانتفاضات التي انحرفت عن مسارها وأصبحت نهبا لكل انتهازي وطفيلي؟ في أيام بن بيلا كانت البوصلة واضحة وهوية العدو معروفة ودلالة الاستشهاد لا تقبل القسمة على البطولة أو شبهة الخيانة. الثورة في عهد بن بيلا كانت نقية، عفيفة، خجولة، ولم يكن يخدش حياءها شبهة التعاون مع الأجنبي، أو يجرح عفتها ميل البعض للتفريط في الوحدة الوطنية. في زمن بيلا كانت الثورة لا تقبل الأنصاف والأرباع، فإما ثورة وإما لا ثورة، إما مجاهدون وطنيون، وإما حركيون ( عملاء فرنسا ) خونة. في زمن بيلا لم يكن للثورة أعداء قادرون على إشهار عدائهم للثورة ثم امتطائها بمجرد نجاحها كما يحدث اليوم. أخشى أن يشيع العرب آمالهم في التحرر مع تشييعهم لجثمان بن بيلا.