* منذ زمن، وواحدة من أهم إشكاليات مجتمعنا السعودي تتمثل في البطالة، التي تتزايد أرقامها يوماً بعد آخر حتى أصبحت في نظر البعض عصية على الحل. بل أن البعض من المتشائمين وصلت به القناعة إلى اليأس من إمكانية حل هذه المشكلة في ضوء التجارب التي مررنا بها من قبل الوزارات المعنية وفي مقدمتها وزارة العمل. * ومشكلة البطالة ليست خاصة بنا فهي مشكلة عالمية متكررة في أكثر من مكان ومجتمع غير أنها في بعض البيئات تجد الحلول التي تحد من خطورتها والتي –أي الحلول- تستند إلى رؤية علمية من مفكرين ومتنورين بعكس بيئتنا التي يُصر بعض مسؤوليها على عدم «الاستماع» إلى الرأي الصادق وإلى التحليل العملي الأكاديمي. * يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران في كتابه «نحو سياسة حضارية» والذي سبق أن وصفته بأنه يعتبر «خارطة طريق» و»منهج عمل» لكل من يود إحداث تغيير حقيقي في إدارته: «واليوم نعزل مشكلة البطالة والعمل والاقصاء خارج سياقها، وندعي معالجتها من منطلق إقتصادي مغلق. ينبغي، بالعكس دراستها داخل إشكال كبير للمجمتع والإنطلاق من حاجيات الحضارة التي تتطلب من تلقاء نفسها مناصب عمل جديدة. ولا يكفي الإنطلاق من البعد الاجتماعي الذي قد يضع البعد الحضاري بين قوسين». * ثم يشرح ويفصّل في أماكن أخرى من الكتاب كيفية خلق وظائف من خلال تبني سياسة حضارية تدمج ما بين التقليد والعصرنة بحيث لا تهيمن «الآلة المتوحشة» على كل مفاصل الحياة وتؤدي بالتالي إلى شح الوظائف وانعدام الجوانب والأبعاد الإنسانية في العلاقات المجتمعية حيث يقول نصاً: «يجب تأسيس موقفنا المعارض للبطالة والإقصاء على موقف دفاعي: الدفاع عن إعادة إحياء نسيجنا الإنساني والاجتماعي والثقافي، الدفاع عن جودة الحياة في داخل مجتمعنا، الدفاع عن سياسة الحضارة». * هذه الاقتباسات بقدر ما تشكل رؤية فلسفية واضحة المعالم لمعالجة إشكاليات مجتمعية عديدة بما فيها البطالة وبقدر انطلاقها من بيئة غير بيئتنا المحلية إلا أنها تكاد تكون من وجهة نظري مطابقة لواقع حالنا المعاش فنحن حينما ننظر إلى مشكلة البطالة نسعى إلى حلها في إطار اقتصادي مغلق ينحصر تحديداً في القطاع الخاص الذي أخر همه هو المشاركة الوطنية الصادقة. والواجب علينا في كل مؤسساتنا الحكومية، بما فيها وزارات الخدمة المدنية والعمل والمالية والاقتصاد ومؤسسات القطاع الخاص، الغرف التجارية والبنوك والشركات الكبرى خلق وظائف هدفها إحداث تنمية حقيقية وفعلية في مجتمعنا باستثمار كل ثرواتنا وفي مقدمتها الكوادر البشرية. فاكس 6718388 - جدة