• يقول باولو كويليو الروائي البرازيلي صاحب جائزة نوبل للآداب على لسان أحد أبطال رواية من رواياته، «ما أن ينزع الستار عن المسرح (يقصد مسرح الحياة) حتى تبدأ المسرحية ولا أحد يمكنه إيقافها، وإذا توقفت فهذا لأن أرواحنا لم تتفق. تذكَّر أنها مسرحية ويجب أن تكون الشخص الذي لم تجرؤ يوماً أن تكونه. وستكتشف شيئاً فشيئاً أن هذا الشخص هو ذاتك الحقيقية. بانتظار ذلك حاول أن تتظاهر باحتمال المعاناة وكن خلاقاً». • هذه الرؤية الفلسفية العميقة والبسيطة في الوقت `ذاته جعلتني أتأمل واقعنا الحياتي المعاش هنا في مجتمعنا المحلي بخاصة ودفعتني إلى التساؤل هل فعلاً حياتنا عبارة عن مسرح عندما تُرفع ستارته تبدأ المسرحية ولا أحد يستطيع إيقافها؟، وهل هذا يتسق مع المقولة العامية التي نرددها باستمرار بوصفها الحياة في كل مكوناتها ومتغيراتها بالمسرحية؟. في النص السابق يصف كويليو النفس البشرية بالازدواجية وأن الإنسان منا يعيش واقعاً مخالفاً لذاته الحقيقية، فهو في تعاملاته الحياتية المعتادة شخص آخر غير الذي يريده حيث لا يجرؤ على البوح بمكنون شخصيته الحقيقية. • حين أحاول فهم هكذا نص في ضوء واقعنا الحياتي أجده يتطابق حد الكمال مع ما نعيشه كذوات، فمنذ فترة تتجاوز العقود الثلاثة ومجتمعنا في حالة ازدواجية مخيفة. حيث أغلب أفراده نساءً ورجالاً أطفالاً وشباباً يمارسون أنماطاً حياتية بشخصيات غير شخصياتهم الحقيقية ويُخفون في دواخلهم بخوف وعدم جرأة الذوات الحقيقية لهم. فما يفعلونه واقعاً ومعاشاً هو ما يطلبه المجتمع حتى وإن كان ضد قيم ومبادئ وسلوكيات فاضلة وعلى غير قناعاتهم هم بتلك الأفعال!!! • الصدق والنزاهة والإخلاص كمثال، فضائل وقيم يعرفها كل أفراد المجتمع، ويحث عليها دينهم الإسلامي ويؤيدها العرف المجتمعي المتراكم، لكن ما يمارس حالياً بعيد كل البعد عن هكذا قيم، فالصدق سذاجة أما الفهلوة فذكاء..!! والنزاهة بلاهة أما اللعب على كل الحبال حتى في نهب المال العام وأكل أموال الآخرين ففطنة، والإخلاص في العمل تزمُّت ورجعية أما القفز على الأنظمة والتلاعب بالقوانين وتزوير الحقائق فإبداع في فهم الحياة ومسايرة للعصرنة وفكر إداري رفيع...!! • تصدمك حقائق كهذه فتعيش دوامة ذاتية لتفسير ما حدث وإمكانية إصلاحه وقدرتك أنت كفرد على إحداث تغيير لأنك في داخلك وبقناعة إيمانية ويقين ضميري صادق تتمنى أن ترى مجتمعك وهو يمارس أدواره الحياتية بذات الطبيعية والتلقائية التي فرضها الحق سبحانه وتعالى في المجتمع الإنساني السوي باشتماله على الخير والشر ولكن نسبة الخير فيه تعتلي هرم السلوك الإنساني والمجتمعي وهو ما يؤدي إلى السكون والطمأنينة التي تنظم استمرارية الحياة البشرية بأنساق مقبولة ومعايير محتملة. •نحن اليوم ولاجل المستقبل في حاجة إلى إعادة البوصلة المجتمعية إلى اتجاهها الطبيعي وخلق الفضاءات السليمة التي تنمو فيها ذواتنا ككل كبارًا وصغارًا دون ازدواجية أو انشطارات نفسية تنعكس سلباً على تعاملاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين. فاكس: 6718388 – جدة [email protected]