قرن كامل، وعام، وشهر، ويوم، هذا هو عمره، هكذا قال لي أحدهم حينما سألته عن عمر الأديب الراحل عبدالكريم الجهيمان -يرحمه الله-، وأشار إلى أنه وُلد عام 1333ه، وتعلّم في الكتاتيب علوم الدِّين والعربية، ومن نجد رحل إلى الحجاز، ودرس بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، ثم عمل بالتعليم، وترأس صحيفة الظهران بالمنطقة الشرقية. هكذا انتقل من غرب الجزيرة إلى شرقها ليتوقف أمام سحر الشرق في سرد الحكايات والقصص والأمثال والأساطير، لقد حفلت مذكرات الجهيمان بالعديد من المواقف التي تجري مع قصصه التي سجلها، فقد كان مغامرًا في طفولته، في تسلقه للأشجار ونزوله عبر الحبال في الآبار، وفي تعرّضه لحيوان الصحراء وعوالمها الغريبة، ولعل هذا الأمر كان وراء اهتمامه بعوالم الغرائب في قصص الأطفال، وعوالم الجن والعفاريت ذوات الرؤوس المفزعة، والأغوال والسعالي، وكائنات الطبيعة المخيفة التي سطّرها الأجداد في أنحاء شتّى من جزيرة العرب، وتمكن الأديب عبدالكريم الجهيمان من رصدها وتقديمها بأسلوبه البديع الذي يناسب كل أنواع القراء، ويحكي خلالها تاريخًا طالما أهمله المؤرخون، ولم يُعط حقه من التسجيل والتوثيق، ومن المؤكد أن الأجيال القادمة سوف تجد مفاجأة كبيرة فيما قام به رجل واحد من عمل تخاذلت عنه المؤسسات والجهات المعنية بالتاريخ الثقافي الحضاري، حتى ضاع منه الكثير، وبخاصة ما يتعلق بالقصص الاجتماعية والحكايات الشعبية التي تمثل موروثًا يمكن علماء الإنثربولوجي من القيام بحفريات معرفية من شأنها أن تكشف جوانب مهمة ومشرقة من تاريخ الأمة، وتاريخ المرحلة. إن اهتمام الأستاذ عبدالكريم الجهيمان -يرحمه الله- بجمع التراث الشعبي ممثلاً في الأمثال والحكايات من خلال رحلاته في البادية والقرى والهجر قد فتح له باب السفر ليدور حول الكرة الأرضية، في رحلة بدأت من الشرق حتى الغرب سجّلها في كتاب "رحلة مع الشمس"، والذي يعزز منهجه في رصد وتسجيل مشاهداته ومعارفه، واستقراء الواقع وتأمله، ولهذا فإن القيمة الحقيقية للموروث الفكري الذي خلفه الجهيمان هي في تلك المادة الخام من المعارف التي سجلها والتي تحتاج إلى فريق من الدارسين الذين يتولّون محاورتها واستنطاقها، واستكمال الجوانب الأخرى للمشروع بجمع التراث الفلكلوري واللهجات والتقاليد والعادات.