قال الضَمِير المُتَكَلّم : حكايات فصولها مختلفة ، مشاهدها متعددة ، تتوالى الأحداث مأساوية ، ولكن لا نهاية لها ، فنهاياتها بدايات : الأم وهي تُسَرح صغيرتها ، يا بُنيتي : المطر نعمة من الرّب ! مِن السماء ينزل المطر ، فيستبشر البَشَر ، وتفرح الأرض ويَتراقص الحَجر ! بُنيتي : بعد المطر ، يخضر الشَجرْ ، ثُم يأتي الربيع ويتعَانق الورد والزّهَر ! فَرحت الصغيرة ؛ فقد جاء المطَر ، ابتسامتها البريئة تُسَابِق البَصَر ! خَرجت عند الباب تلهو تراقب السماء ، وبيديها تحاول أن تمسك الماء ! فجأة المياه تقسو ، وتقتحم المكان ، ودون رحمة ، تقبض روح الصغيرة وجدان !! هل تذكرون وجدان ، تلك الصغيرة التي اغتالتها ( سيول جدّة) قبل سنتين مِن الزمان !! مَاتت وجدان ومعها مئات من بني الإنسان ؛ وحتى اليوم لم يبق من الحادثة إلا مجَرد صَور المكان . يا أمّ وجدان لماذا لم تعلميها أن ( فَسَاد الهَوامير إياهم ) قد وصل حتى للمَطَر ، ليجعله أداة لِقَتل البشَر ، وخِنجراً يطعن خاصرة الوطَن ؟! ( 2 ) صباح السبت الأم تُقَبِّل خَدّ ابنتها بكل حَنَان ، يا بُنَيتي المدرسة دار بناء المستقبل ، وبيت الأمان !! ياصغيرتي حافظي على مدرستك والتزمي بالنظام ، الأب يذهب بها ويعيد على مسامعها نفس الكلام !! تجري البريئة ، ومن فرحتها تحتضن المعلمات والزميلات بل حتى الباب ، هي بضع ساعات ، ويتحول حلم المستقبل ، وحضن الأمان ، وضحكات الفرح إلى كابوس !! رباه النيران ، الدّخان ، كلاهما يُحَاصر المكان ؛ رباه أين الدروس !! أين المَطَافي ؟! آهٍ لقد ظهر ما كان خافٍ !! هيا أيتها الصغيرة اقذفي بنفسك من الدور الثَاني ، دون رجوع !! ذعر وخوف ، صَياح ، نياح ،أموات ، إصابات ، آهَات ودموع !! أسرة الصغيرة لم تعلمها بأن ( فسَاد الهوامير إياهم ) قد حوّل المدرسة إلى بيت أشباح!! أسرة الصغير أخطأوا ؛ فلم يدربوا طفلتهم على الطيران والتّحليق عكس اتجاه الرياح !! ( 3 ) شباب جدة كعادته يتطوع ويساهم بشجاعة في عمليات إنقاذ الأرواح والأنفاس !! أبطال يستحقون التقدير ، وممارسة رائعة بها نفتخر ، ونرفع بين الأمم الرّاس !! ولكن هل ذلك عدم شجاعة من أولئك أو قلة عَدد ؟! أياً كانت الإجابة ؛ فهي مخجلة والوقائع تَشهَد !! ( 4 ) مسكينة جدة حائرة ؛ يُداهِمها فَسَاد أداته النار ، تحاول إطفاءه بالماء ؛ ولكنها تخشى الغَرق بماء السماء ؛ فماذا تفعل ؟! فقط تُرَدّد مع بدر شاكر السّياب : ( مَطَر ... مَطر ... مطَر) !! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .