السائل (؟): لو تنازع ثلاثةُ أفعال في معمولٍ واحدٍ، نحو: قام وقعد وخرج الزّيدان. وجاء في الحديث «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون دبرَ كلّ صلاة ثلاثًا وثلاثين»، هل يجوزُ أن يكونَ «دبرَ كلّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين» معمولاً لكلّ واحد من الأفعال الثلاثة، أم المعمول للثالث؟ الفتوى 21 : قبل الإجابةِ عن سؤال السائل أذكر ملحظين، أحدهما: أنّ أصحّ الرّوايتين في لفظ الحديث: «تسبّحون وتحمدون وتكبّرون»، وعليها أكثر المحدثين، ومنهم البخاريّ في (الصحيح)، واللفظ الواردُ في السؤال هو لفظ مسلم، وورد في غير (الصحيح) تقديمُ التكبير على التسبيح والتحميد، واستدلّ به على أنّ للذّاكر أن يقدّم ما شاء. الثاني: المعمول الذي يطلبه هذه الأفعال أو أحدهما محذوفٌ معلومٌ، والأصلُ: تسبّحون اللهَ، فلفظ الجلالة هو المعمول الأولُ، ولفظ «دبرَ كلّ صلاةٍ» ، متعلقٌ بتلك الأفعال أيضًا، أو أحدها. وأمّا تعيينُ العامل في هذه الأفعال الثلاثة، هل هو الأوّل، أو الأخيرُ؟ قولان لعلماء النحو، أشهرهما قول نحاة البصرة، وهو الأقربُ إلى المعمول والمعقول، فإذا قلتَ: قامَ وقعدَ وخرجَ الزّيدان، فالعاملُ هو (خرج)، و(الزيدان) فاعله، وعامل الفعلين السّابقين مهملٌ. وقال الكوفيّون: العامل الأوّل، وسواء كان العامل اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، فالخلافُ دائرٌ بين النحويين بين الأول والأخير، والشّائعُ مجيء عاملين، ومنه في القرآن: {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الأَعْمَى}، أي: لأن جاءه الأعمى، وهو متعلقٌ بأحد الفعلين السّابقين، ونحو: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه}، ويُسمّى عند النحاة ب (التنازع)، ولم يسمّه سيبويه بذلك، وسمّاه الكوفيّون: (الإعمال). وقد مسّ النحويين نصيبٌ من معناه، فتنازعوا فيه، وفي بعض تعليلاته تنازعًا ذهب بريح النحو الطيّبة إلى مكان سحيق. فلا تذهب نفسك حسرةً أيُّها السّائل، فالخطب يسير، ولا ثمرةَ لتعيين العامل في مثل هذا، ولو كان لمثلي أن يقول قولاً ثالثًا لقلتُ: بأنّ كلاًّ من الفعلين أو الثلاثة عاملٌ، وقلتُ في (زبدة الألفية): وأعْمِلِ الأوّلَ إن تنازعا فِعلانِ، والبصريُّ ذا، عندي معا ومن العلماء مَن جوّزَ التنازعَ في الحروف، وليس بالمألوف.