السائل (حسام.. مصر): أطالع فتاواكم المنقولة في (ملتقى التفسير) وأنا فخورٌ بما أراه من لغة جميلة وجواب شافٍ.. وسؤالي: سمعتُ من بعض الأساتذة يقول: لا يجوز أن نقول في كلامنا: نحن كمسلمين.. كذا وكذا. أرجو الإجابة. الفتوى 34: لا تؤاخذني بما تركته من كلام في سؤالك، وأشكر لك ما أملاه باعث حسن الظنّ من ثناء، وإني عند نفسي دون ما ذكرت. وأسارع إلى الجواب عن سؤالك، فأقول: هذه العبارة فيها نظران، أحدهما لغويّ، والآخر شرعيّ، فأمّا اللّغوي فيتبيّن من معرفة معاني الكاف التي عقدها ابن مالك في (ألفيته) بقوله: شبّه بكافٍ وبها التّعليل قد يُعنى1 وزائد التوكيد ورَدْ واستعمل اسمًا.. أه. فأمّا التشبيه فمعلومٌ، وأمّا التعليلُ، فنحو: «كما صليتَ على إبراهيم» وأمّا الزّائدة فيمثلون له بقوله تعالى: {ليس كمثله شيءٌ}، وأمّا اسميتها فاستدلّ له بشواهد كثيرة لا سيما في الشعر. والزائدة في الآية وفي غيرها من الشواهد النثرية والشعرية التي وجدتها في المطولات كلها صالح للتشبيه أو غيره، وليست زائدة ومنها الآية. وقد بحثتُ في صحف الأولين فلم أجد لهم كلامًا في مثل هذه العبارة، وأمّا المعاصرون فقد أقرّها المجمع القاهريّ عن بحث للأستاذ عبد الله كنون، وآخر للدكتور محمد رفعت فتح الله، ونازعهم في ذلك الأستاذ سعيد الأفغانيّ، وقال: إننا منذ ثلاثين سنة نسمّي هذه الكاف الكاف الفرنسية، وبنحوه قال الدكتور عثمان أمين، وقال الأستاذ: محمد بهجة الأثري: لسنا مكلفين بتخريج كلام عاميّ يشيع على الألسنة. قيل لهم: فما البديل؟ قالوا: البديل أن يقول: أنا باعتباري باحثًا، أو بوصفي باحثًا، بدل قوله: أنا كباحث، وكذلك المثال المسئول عنه، تقول فيه: نحن باعتبارنا مسلمين. وخرّج المجمع الجواز على أن الكاف للتشبيه أو زائدة. والقول بالزيادة أضعف من خصر شادن على حِقْف، والتشبيه فيه ما فيه، وقولهم: إنّ الكاف داخلة على موصوف محذوف، أي: أنا كرجل باحث، لا يغني شيئًا. وفي الأسلوب ركاكة، ولا مُلجئ لذلك، وقول الأفغانيّ وأخويه: الصواب أن نقول: بوصفي أو اعتباري باحثًا لا يخلو من ركاكة أيضًا، وفصيح الكلام مفصح عن نفرته منه. ولو قالوا: الصّواب أن يقال: أنا لأني باحث، ونحن لأنا مسلمون لكان أولى وأقوم. فالحكم في هذا اللفظ وأمثاله الكراهة، يضاف إليه ما يُعقبه النظر الآخر وهو الشرعي وهو خاصّ بنحو: أنا كمسلم، ونحن كمسلمين، وأنا كرجل، كل هذا قبيحُ الوجه ولن تحسّنه تمحّلات البلاغة، فاجتمعت كراهتان شرعية ولغوية، والصبر على سماع هذه العبارة والنطق بها من الصّبر على المكاره، وهو صبرٌ لا يؤجر من ابتلي بأسبابه، ولو عضّ عليه بنواجذه ونابه، كلّ خاملٍ ونابِهْ.