السائل (ماجد الجهني): هل لي أن أستخدم (حتّى) بمعنى (كَي)؛ لأن استعمالها شائعٌ عندنا؟ الفتوى 10: نعم يجوز ذلك، ووجدتُ له شاهدًا في القرآن غفل عنه النحويّون، وهو قوله سبحانه: (هم الذين يقولون لا تُنْفقوا على مَنْ عِنْد رسول الله حتى ينفضّوا) [المنافقون: 7]، معناه: كي ينفضوا. هذا هو معناه الصحيح، ومن ظنّ أنّ المعنى: إلى أنْ ينفضُّوا؛ فهو غالط، ومن الدليل على فساد اعتباره أنّه سيؤول إلى ما يُبطله، وهو أن يكون مرادهم: المنع من الإنفاق على من عند رسول الله إلى انفضاضهم وتفرقهم، فإذا قاموا عنه بطل المنع. والمعنى هو الأول، وذلك من ظنّ المنافقين في بناء العلاقة في الدّين على المال، ومن ضعف ظنّهم بمن له خزائن السموات والأرض. ثم وجدتُ ابن هشام استشهد به في (مغني اللبيب)، وذكر له شاهدًا قرآنيًّا آخر، وهو قوله سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم) [البقرة: 217]، وليس في وضوح الأول لاحتمال أن يكون معنى (حتى) الغاية المحضة. والمنافقون في تقلُّبهم وتلوّنهم فيهم شبهٌ من (حتى) التي حيّرت علماء النحو، ومات أحدهم -وهو أبو زكريا الفراء (207ه)- وهو يقول: أموتُ وفي نفسي شيءٌ من حتّى. وكان يقال لأبي زكريا: أمير المؤمنين في النحو. وإنما حيّرتْ من حيّرتْ من النحويين ودوّختهم؛ لأنها خرجتْ عن سَنَن سائر الأدوات العاملة، وجمعت في عملها بين المتضادات، فهي عاملة ناصبة، وخافضة رافعة، وتكون ابتدائية في أول الكلام تارة، وغائية في آخر الكلام تارة أخرى، وتدخل على الأفعال والأسماء والحروف، وحينما يجد النحويّ قول القائل: (أكلتُ السمكةَ حتى رأسها) لا يدري أَأُكِلَ رأسُها أم لم يُؤكل؟ حتى يرفع الرأس أو يخفض أو ينصب. والحقّ أن معناها الذي لا يفارقها هو الغاية، غير أنه يقوى في بعض المواضع، ويضعف في مواضع أخرى، وأمّا الإعراب فمختلفٌ. هذا هو الجواب بإيجاز، وقد ذكرتَ في سؤالك يا أخا جُهينة بأنّكم تستعملونها بمعنى (كي)، ولا غرو في ذلك؛ فعند جهينة الخبر اليقين.