بالطبع كنت أود أن نذهب إلى الأممالمتحدة للمطالبة بدولة قرار 181 التي تمنحنا حوالي 50% من أرض فلسطين التاريخية ، وكنت أود أن نذهب إلى الأممالمتحدة وقد تحققت المصالحة بين فتح وحماس على أرض الواقع. لكنني توصلت إلى القناعة بأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان ، حيث أصبح الآن واضحًا أن الخطوة الفلسطينية للمطالبة بدولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ 5 حزيران بعاصمتها القدس الشريف ضربة معلم. وليس أدل على ذلك من الارتباك الذي يسود الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية، حيث أشارت العديد من المصادر الإعلامية الغربية والإسرائيلية إلى أن التوجه الفلسطيني إلى الأممالمتحدة سيؤدي إلى عزلة إسرائيل وأمريكا معًا، ووصل الأمر إلى حد تصوير صحيفة هآرتس الإسرائيلية (الثلاثاء) موقف أوباما وهو يهدد باستخدام الفيتو ضد طلب السلطة الانضمام إلى الأممالمتحدة بأنه يبدو كما لو أنه سيستخدم الفيتو ضد نفسه!، في إشارة إلى وعده العام الماضي في نفس هذا الوقت، ومن على منبر الأممالمتحدة، بأن تصبح الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة التي تعيش بجوار إسرائيل بسلام عضوا جديدا في الأممالمتحدة العام المقبل (أي سبتمبر 2011)، وهو ما أعطى الأمل للفلسطينيين بالمضي قدمًا في هذا التوجه استنادًا إلى هذا الوعد. وقد أعجبنتي إجابة الأخ المناضل د. مصطفى البرغوثي في مقابلة أجرتها معه محطة بي بي سي الفضائية (برنامج GMT) قبل بضعة أيام عندما سألته المذيعة عن الخسائر المتوقعة التي يمكن أن تلحق بالفلسطينيين من جراء الذهاب إلى الأممالمتحدة لطلب عضويتها بالقول: إنه لم يعد لدى الفلسطينيين ما يخسرونه. ويمكن أن نقول إنّ من أرباح خطوة التوجه للأمم المتحدة أن فلسطين ستظهر مجددًا على خريطة العالم الجغرافية، كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى تحريك المياه الراكدة التي وصلت إليها عملية السلام، وأنها جاءت في توقيت مناسب، حيث باتت إسرائيل تواجه لغطًا حول معاهدة سلامها مع مصر بعد ردود فعل الجماهير المصرية الغاضبة إثر قتل إسرائيل لخمسة جنود مصريين في المنطقة الحدودية، وتصريح رئيس الوزراء المصري عصام شرف بأن معاهدة السلام مع مصر ليست مقدسة، وأيضًا ردود الفعل التركية عندما طردت تركيا السفير الإسرائيلي من أنقرة لرفضها الاعتذار لتركيا إثر قتلها تسعة أتراك مدنيين العام الماضي أثناء توجههم إلى قطاع غزة المحاصر ضمن قافلة الحرية، وتهديد أنقرة بأن السفن الحربية التركية ستعمل على حماية «أساطيل الحرية» التي تتوجه إلى قطاع غزة، إلى جانب إيقافها العمل في الممر الذي يربط بين جنوب تركيا وشمال إسرائيل ويضم حزمة أنابيب للبنية التحتية تحمل النفط والغاز والكهرباء والمياه العذبة لإسرائيل. كما جاءت الخطوة الفلسطينية في الوقت الذي بدت فيه واشنطن وأوروبا تؤيدان حراك الحرية والديمقراطية الذي حملته ثورات الربيع العربي، وهو ما يعني أن وقوف واشنطن ضد حقوق الفلسطينيين في الدولة التي تنص عليها قرارات الشرعية الدولية يعني بشكل واضح أنها تنتهج سياسة ازدواجية المعايير وتطبقها بشكل صارخ لا يمكن تفسيره بمعزل عن التفسير الحقيقي بأنها تدعم هذه المبادىء والحقوق عندما تحقق مصالحها، وتقف ضدها بدعمها الاحتلال والعنصرية وانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين بوقوفها بجانب إسرائيل بدلاً من إنصاف الفلسطينيين، أو بمعنى آخر ممارسة الضغط على الفلسطينيين الذين جردتهم إسرائيل من كافة حقوقهم الإنسانية بما في ذلك حقهم في دولتهم التي يعيشون على أرضها منذ آلاف السنين بدلاً من الضغط على إسرائيل الدولة المحتلة. يمكن أن نضيف في أرباح تلك الخطوة أن الفلسطينيين عادوا من جديد ليكونوا هم من يتخذ زمام المبادرة بعد أن كانوا يكتفون بردود الفعل، وأثبت رئيس السلطة الفلسطينية الأخ أبو مازن بأنه يتمتع بثقة كبيرة بنفسه وبشعبه وبموقف فلسطيني غير قابل للتراجع أو التردد مهما كان الثمن، لأنه حتى لو أعلن عن حل السلطة كأحد البدائل إذا ما فشلت تلك الخطة، فإن إسرائيل وواشنطن ستكونان الخاسر الأكبر، لأن هذا الإلغاء سيؤدي إلى ضياع العامل الأمني الذي يشكل العصب الأساس في الوضع الراهن بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والذي يصب بالدرجة الأولى في مصلحة إسرائيل، إلى جانب ردود الفعل العنيفة المتوقعة التي ستسود الشارع الفلسطيني في حالة رفض الطلب الفلسطيني، وهو ما حذر منه العديد من المحللين والخبراء العرب والأجانب. لابد من الإشارة أيضًا إلى موقف حماس التي بدت متناقضة مع نفسها، فهي قد أيدت النضال السياسي للسلطة الذي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 67 على لسان رئيس مكتبها السياسي خلال حفل توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة قبل بضعة أشهر، ثم غيرت موقفها هذا من خلال شن قادتها هجومًا قاسيًا على الخطوة الفلسطينية، وبدا من الواضح أنها تفضل الوضع الراهن (ستاتس كو) الذي يعني لا مصالحة، لا مقاومة، لا مفاوضات، لا دولة!. المهم أن تظل تحكم غزة ، حتى لو استمر ذلك الحكم إلى يوم القيامة. وهاهو الأخ أسامة حمدان في برنامج بثته قناة LBC الفضائية الاثنين الماضي ينزع صفة القيادة من أبرز قيادات حماس لا لشيء إلا لأنه أيد الخطوة الفلسطينية في اللجوء إلى الأممالمتحدة. في رأي أن هذه الخطوة التي حظت بموافقة الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني وفق أحدث استطلاعات الرأي زادت من تأييد الشعب الفلسطيني لقيادته، وزادت من زيادة شعبية أبي مازن، ومن مصلحة حماس الانضواء تحت لواء وحدة وطنية قادرة على صياغة آمال الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال والدولة والعيش الكريم على ترابه الوطني، وعدم تحقيق هذا الهدف ووضع العراقيل في طريقه يمثل الخسارة الوحيدة التي تهدد نجاح تلك الخطوة.