أظهرت دراسة أجرتها غرفة التجارة الدولية للعام 2011 في مجال حقوق الملكية الفكرية أن 2.5 مليون وظيفة شرعية تتعرض للتهديد كل عام نتيجة فقدان ثقافة حماية حقوق المؤلف، وأكدت الدراسة على أن حجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عالمياً عن قضايا التقليد والقرصنة ستصل إلى نحو 1.7 تريليون دولار بحلول العام 2015. وفي دراسة اقتصادية أعدّها اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية، أكدت على أن العمل لتخفيض معدل القرصنة في جميع أنحاء العالم بنسبة 10 في المائة في غضون أربع سنوات من شأنه أن يخلق 142 مليار دولار داخل أنشطة اقتصادية جديدة، إلى جانب خلق نصف مليون وظيفة جديدة حول العالم. ويخسر العالم مليارات الدولارات سنوياً بسبب انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، منها 3 مليارات دولار على الصعيد العربي في العام 2009 بعدما كانت نحو 2,5 مليار دولار في 2008. وبين جهود تُبذل لحماية اقتصادات المنطقة من هذا الكابوس الذي يعيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويُسهم في تراجع المنتج الفكري والإبداعي، وجهود مضادة تنشط في الاستيلاء على برامج واختراعات وسلع أبدعها آخرون، تُقلق قضايا انتهاكات الملكية الفكرية المؤلفين والكتّاب والمبدعين في العالم العربي، وتطال أعمال القرصنة التي أصبحت تشكّل تهديداً عالمياً المصنفات الأدبية والفنية والتقنية، وتؤدّي بالتالي إلى خسائر سنوية بمليارات الدولارات، خصوصاً بعد أن أصبح الإنترنت يمثّل أكبر تحرير للتجارة عرفه العالم، وأسهم إلى حدّ كبير في خلق أشكال جديدة من وسائل نشر المنتج الأدبي أو الفنّي أو نقله ونسخه وحفظه. ما يستدعي مراجعة وتطوير القوانين المعمول بها حالياً. وعلى الصعيد العربي فإن أكثر من 50 مليار دولار هو حجم الخسائر السنوية التي يتكبّدها العرب بسبب عمليات الاحتيال على الملكية الفكرية، وذلك بحسب تقرير صادر عن الاتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية في العام 2009، في حين تتراوح مجمل الخسائر على مستوى العالم ما بين 200 و250 مليار دولار في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ أصبحت أشكال هذه القرصنة تمثّل تهديداً عالمياً تصل نسبته إلى 10٪ من حجم التجارة العالمية. وفي السعودية وحدها يبلغ حجم الخسائر السنوية الفكرية 10 مليارات ريال، وتنظر لجنة مخالفات براءات الاختراع في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حوالي 300 قضية، كما تخسر السوق السعودية 500 مليون ريال سنوياً بسبب قرصنة برامج الكومبيوتر، إضافة إلى 11 مليار دولار خسائر الغش التجاري في السعودية بحسب إحصائية وزارة الاقتصاد والتخطيط. وفي لبنان طلب الاتحاد الدولي للملكية الفكرية International Intellectual Property Alliance هذا العام من الممثل التجاري للولايات المتحدة، إبقاء لبنان على «لائحة المراقبة» Watch List بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الملكية الفكرية ومشكلات حقوق التأليف والنشر. ويمثّل الاتحاد الدولي أكثر من 1900 شركة تُعنى بإنتاج المواد المحمية وتوزيعها بموجب حقوق النشر في العالم. ووفق تقرير الاتحاد فقد انضم لبنان إلى لائحة مؤلفة من 19 بلداً بينها مصر والكويت والسعودية وإسرائيل وتركيا. واعتبر التقرير أن انتهاكات حقوق الطبع والنشر لا تزال تشكّل عقبة كبيرة أمام الأعمال التجارية الشرعية في لبنان على الرغم من التقدم التدريجي الذي أحرزه في مكافحة القرصنة، معتبراً أن تحديات القرصنة لا تزال على حالها في 2010. وتطرّق إلى مشكلات قرصنة الأقراص المدمجة الخاصة بالأعمال التي تسبب خسائر فادحة لشركات البرمجة، وقرصنة الكتب في حرم الجامعات وخارجها، وقرصنة سلع التجزئة، وقرصنة القنوات المنقولة عبر الكابل والمحطات التلفزيونية المدفوعة، والقرصنة المتزايدة عبر الإنترنت والهواتف الخليوية، وتحميل برامج الكمبيوتر على أجهزة في نقاط البيع، وبيع أجهزة فك التشفير كالتي تُستعمل للتلفزيونات المدفوعة. وأورد التقرير أن مستوى قرصنة برامج الكومبيوتر في لبنان وصل إلى 72% في 2010 «لتبلغ الخسائر نحو 28 مليون دولار. وكان الممثل التجاري للولايات المتحدة قد وضع لبنان على لائحة المراقبة Watch List العام 1999، ثم خفّض درجته إلى «لائحة أولوية المراقبة» Watch List Priority العام 2001 بسبب تدهور قطاع حماية حقوق الملكية الفكرية. وشكّلت الخسائر الناتجة من القرصنة في لبنان التي تكبّدها قطاع حقوق النشر نحو 26,8 مليون دولار العام 2007 في مقابل 25,6 مليون دولار العام 2006 و28,2 مليوناً العام 2002 و31 مليوناً عام 2004. وبذلك شكّلت الخسائر الناتجة عن القرصنة في لبنان 3,6 في المئة من الخسائر التي تكبدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي بلغ مجموعها 736 مليون دولار في ال2007. إقليمياً، حضّ الاتحاد، الممثل التجاري للولايات المتحدة، على إبقاء مصر والسعودية على «لائحة أولويّة المراقبة» مع الإبقاء على الكويت ونيجيريا وتركيا على «لائحة المراقبة». وفي المغرب تشير دراسة أجراها المركز العربي للدراسات والأبحاث إلى أن المغرب على رأس الدول التي تستشري فيها القرصنة الفكرية والفنية والأدبية وتكبّد الاقتصاد الأجنبي والاستثمار الخارجي خسائر مادية هائلة. وتنشط السرقات التقنية بشكل لافت في المغرب، إذ يوجد ما بين 400 و600 ألف قرص مدمّج منسوخ بطريقة غير قانونية يُوزع في المغرب أسبوعياً. وتُعتبر الإمارات في مقدّمة الدول التي تصدّت لانتهاكات حقوق الملكية الفكرية، وهي حقّقت أدنى المعدلات على الإطلاق بالنسبة إلى الدول العربية في مجال قرصنة البرمجيات بحسب تقارير صادرة عن المنظمات الدولية، إذ بلغ معدل قرصنة البرمجيات في الدولة 36%، وهي نسبة تقل عن جميع دول أوروبا الشرقية وجميع دول أميركا اللاتينية، وتقل أيضاً عن بعض النسب المسجلة في دول أوروبا الغربية مثل فرنسا 40%، واليونان 58%، وإسبانيا 42%. وجاء في تقرير حكومي أميركي صادر عن مكتب برامج الإعلام في وزارة الخارجية الأميركية في العام 2007 أن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية ما زالت آفة تضرب الأسواق العالمية وتشكّل تحدياً رئيسياً للمخترعين والفنانين في شتى أنحاء العالم. وتصدّرت روسيا والصين، كما كان الحال في السنوات السابقة، لائحة الأولوية على الرغم من وجود بعض الأدلة على تحسّن في البلدين. ومن الدول المدرجة على هذه اللائحة أيضاً كلّ من الأرجنتين وتشيلي ومصر والهند وإسرائيل ولبنان وتايلاند وتركيا وأوكرانيا وفنزويلا. ومنعاً لتفاقم ظاهرة انتشار سرقة الملكية الفكرية، خصوصاً حقوق المؤلفين، أنشأ اتحاد الناشرين العرب «اللجنة العربية لحماية الملكية الفكرية»، بناء على معطيات عدّة حددتها اللجنة ب: انتشار ظاهرة القرصنة والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وسهولة تنقل وانتشار الكتب المقرصنة بين الدول العربية، وضعف الرقابة ومحدودية دورها في تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية، وضعف ثقافة حقوق الملكية الفكرية وربطها بظاهرة الاحتكار. علماً أن الدول العربية اتّجهت إلى التشريع في هذا الإطار منذ زمن، وهي سعت لأن تشمل التشريعات مختلف فروع الملكية الفكرية، وتُعتبر معظم الدول العربية عضواً في الاتفاقيات الثلاث الأساسية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وهي: اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية، واتفاقية «باريس» للملكية الصناعية واتفاقية «بيرن» للملكية الأدبية. أشهر السرقات الفكرية وتُعدّ الكتب والمؤلفات الأدبية وصناعة الأفلام والبرامج التلفزيونية من أكثر الصناعات عرضة لخرق قوانين حقوق الملكية الفكرية، ومن أشهر القضايا المتنازع عليها والمصنّفة كانتهاكات فكرية وحظيت باهتمام واسع، هي ملصق حملة أوباما الانتخابية Hope «أمل» التي لا تزال قيد التداول في المحاكم القضائية المختصة، وكان قد التقطها مصوّر وكالة «أسوشييتد برس» للرئيس أوباما وهو يجلس إلى جانب الممثل جورج كلوني، وقام الفنان شيبرد فيري بالبناء عليها في ملصقه مدّعياً أن عمله سيأتي وفق الاستخدام العادل، وهو المصطلح القانوني الذي يقضي بإمكانية استغلال حقوق الطبع من دون الاضطرار للدفع من أجلها، إلا أن فيري أضاف إلى الصورة تفاصيل فنية ولونية أعطتها بُعداً مختلفاً، وتمَّ اختيار الملصق للمشاركة في معرض معهد الفن المعاصر في بوسطن، وأصبح من ضمن المقتنيات الدائمة في المعرض الوطني للصور الشخصية في واشنطن. وعلى المستوى العربي تضج المحاكم المختصة بالقضايا المتعلقة بسرقات أدبية وفنية وتشكيلية وغيرها من قديم ومستجدّ، نذكر منها أعمال الشاعر الكبير صلاح جاهين التي تُنتهك منذ ثلاثين عاماً، إذ نجد أكثر من طبعة وإصدار للرباعيات أو الأعمال الكاملة لجاهين من دون علم ورثته الذين لا يزالون يتابعون دعواهم في المحاكم. ومع أن الأعمال تصبح مَشاعاً بانتهاء مدة الحماية القانونية الممنوحة لمؤلفيها، لكن من الممكن أن تصبح محمية مرة أخرى، وكذلك كلّ ما اشتق منها من أعمال في ما لو تغيرت القوانين لاحقاً وإن كان هذا محل صراع قانوني وقضائي. وأما على الصعيد التكنولوجي، فأيّدت المحكمة العليا الأميركية حكماً بفرض غرامة قدرها 290 مليون دولار على شركة البرمجيات العملاقة مايكروسوفت بسبب الأضرار التي ألحقتها بشركة برمجيات كندية صغيرة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها، وتتعلق التكنولوجيا بشفرة «إكس إم إل» التي استخدمتها مايكروسوفت في برنامج «وورد» لمعالجة النصوص. وفي هلسنكي أعلنت شركة صناعة الهواتف المحمولة الفنلندية العملاقة «نوكيا» العام الماضي عن إقامة دعوى قضائية ضد منافستها الأميركية «آبل» في ثلاث دول أوروبية بدعوى انتهاك حقوق الملكية الفكرية للعديد من براءات الاختراع، وذلك باستخدام تقنيات من تطويرها في صناعة أجهزة آي فون وآي بود وآي باد التي تنتجها آبل. وتضيف هذه الدعاوى تهمة انتهاك 13 براءة اختراع جديدة إلى اتهام بانتهاك 24 براءة اختراع تنظرها لجنة التجارة الدولية الأميركية والمحاكم الاتحادية في ديلاور ويسكنسون في الولاياتالمتحدة بحسب بول مالين نائب رئيس «نوكيا» لشؤون الملكية الفكرية. وفي تايوان قضت محكمة الملكية الفكرية على سيدة تايوانية بدفع تعويض قدره 256 مليون دولار تايواني (7.5 مليون دولار أميركي) لشركة «هيرميس انترناشونال» لبيعها أربع حقائب يد مقلّدة لحقائب الشركة، إذ وصلت غرامة انتهاك حقوق الملكية الفكرية إلى 500 مرّة من قيمة السلع، وكانت لي (وهي بائعة سابقة في متجر «هيرميس تايوان») قد اشترت في الخارج أربع حقائب يد مقلدة من ماركة «بيركين» المصنوعة يدوياً التي تنتجها شركة «هيرميس» وباعتها عبر متاجر بيع المنتجات المستعملة وتقاسمت الأرباح مع أصحاب هذه المتاجر. وجاء في تقرير نشرته صحيفتا «يونايتد ديلي نيوز» و»أبل ديلي» أن حجم التعويض هو أكبر تعويض تقضي به المحكمة في قضايا انتهاك حقوق الملكية الفكرية لكن المدعى عليها قد تستأنف الحكم.