ليس هناك ما هو أغلى على الأمم من تاريخها. التاريخ يعني الذاكرة، والذاكرة هي التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. بدون ذاكرة يختل الحاضر، والحاضر المختل لا يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى محطة المستقبل بأمان. الأمم التي تُفرِّط في تاريخها كالإنسان الذي يفرط في ملامحه. بدون ملامحك لن تكون أنت، ربما يمكن أن تكون أي شيء لكنك لا يمكن أن تكون أنت أو أي أحد آخر. عندما تفقد ملامحك تفقد ذاتك نفسها، وعندها ستنحدر إلى مرتبة الشيء حتى ولو حاولت بكل ما أوتيت أن ترتفع إلى مرتبة الذات. هذه المقدمة كان لا بد منها للتعليق على الخبر الذي نشرته جريدة عكاظ في عددها الصادر بتاريخ 10 رجب الموافق 11 يونيو (حزيران) والذي يفيد بأن منظمة اليونسكو العالمية قد تحفظت على إدراج جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي بعد قرار المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية «الأيكومس» إبعاد ملف جدة من أجندة مؤتمر لجنة التراث العالمي المزمع عقده في شهر يوليو المقبل في مملكة البحرين. وقد جاء في التقرير الصحافي الذي نشرته جريدة عكاظ: (إن مندوب المملكة الدائم في اليونسكو الدكتور زياد الدريس قد أسند في حديث ل «عكاظ» أسباب الرفض إلى عوامل فنية بحتة، نتيجة تعرض مواقع جدة إلى حالة من الإهمال، حيث كانت عرضة للاستخدام من قبل من لا يدرك قيمتها، وهي بلا شك كانت محل دراسة معمقة، وقد أثرت بشكل كبير على تقرير الأيكومس، مما دعا الجهات المقيمة في اليونسكو أو في مركز التراث العالمي إلى عدم إخفاء أو تجاوز امتعاضهم من هذا الإهمال لسنوات عديدة). المشكلة الحقيقية لا تتعلق باستبعاد ملف جدة من قبل منظمة اليونسكو، بقدر ما تتعلق بعدم توفر العناية المطلوبة للعديد من المواقع كي يتم تسجيلها كآثار عالمية. يكفي أننا لم نتمكن حتى الآن سوى من تسجيل موقعين فقط، الأول هو مدائن صالح عام 2008، والثاني هو مدينة الدرعية عام 2010! التفريط في التاريخ واللامبالاة حياله هو مؤشر خطير على حالة تخلف. [email protected]