جفت الدموع في المآقي.. ووقف النحيب في الحلوق.. وتجمدت الكلمات في الأفواه ما بين مشدوه فاغر فاه وبين مصدوم تشنجت أعضاؤه.. برحيل رجل الأمة وأحد العظماء القلائل في هذا العصر: معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني!! وإزاء هذا الحدث الجلل والخطب العمم يقف اليراع عاجزًا عن تسطير الكلمات، ويقف العقل حائرًا، ويقف الجسد خائرًا قواه بهذه الفاجعة الشديدة التي ألمت على غير ميعاد.. ولكن لا نقول سوى ما يرضي ربنا عز وجل: “إنا لله وإنا إليه راجعون”. فقلوبنا مفجوعة، وأكبادنا موجوعة، وأجسادنا مكلومة، وعقولنا مشدوهة، وبيوتنا حزينة بفراقك أيها الأب العزيز فقد كنت - بعد الله تعالى - السند القوي والداعم الأساس للكثير من الناس، وقفت مع أبناء وطنك وقفة رجل عظيم، ووقفت مع جميع المحتاجين وقفة رجل البر والإحسان الذي تنفق يمينه ما لا تعلم شماله، ووقفت مع الجميع ناصحًا وموجهًا وداعمًا بالخير حتى إن القلم ليتعب من تعداد مآثرك وجميل صنايعك أيها الإنسان العظيم: محمد عبده يماني!! أيها القامة الشامخة، والقمة السامقة. لقد كنت رجلًا بأمة من كثرة جودك وسخائك وكرمك. فمن مهبط الوحي انطلق برك وإحسانك للمواطنين والمقيمين والمسلمين إخوانك وقد أغدقته في شتى البقاع والأصقاع والدور والضياع، فعم جميع الأرجاء فلن نستطيع أن نوفيك حقك من الشكر والثناء والوفاء، سوى أن نلهج إلى رب غفور رحيم بالضراعة والدعاء، في كل أرض وتحت كل سماء، كل وقت وحين من صباح أو مساء، لعل الله أن يستجيب هذا الدعاء لينقلك من دار الشقاء والعناء والفناء إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فأنت قد فارقتنا بجسدك إلى جوار رب كريم، وأفضت روحك الطاهرة إلى بارئها.. ولكنك لم تفارقنا بمآثرك وجليل أعمالك، وفضائل جودك وكرمك، وعظيم برك وإحسانك التي مهما اجتهدنا فلن نحصيها.. نحن أبناء الجالية البرماوية الأراكانية التي هاجر آباؤهم وأجدادهم من بلادهم إلى الله ورسوله للاستقرار في هذه الديار المقدسة بجوار الحرمين الشريفين، لن نستطيع أن نمحو من ذواكرنا أعمالك وجهودك الدؤوبة، واهتمامك بهذه الجالية المتمسكة بالقرآن الكريم، فسنظل نحمل مآثرك وجليل معروفك في دمائنا بل سيتوارثها أبناؤنا في جيناتهم جيلًا بعد جيل وهذا أقل الواجب بحقك أيها الإنسان العظيم. فاللهم ارحم عبدك محمد عبده يماني رحمة واسعة، فقد كان رحيمًا بالمسلمين شفوقًا عليهم حريصًا على أهل القرآن ومحبًا لهم، واغفر له وتجاوز عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنان، وأدخله جنة عدن وارفع درجته في عليين واجزه النعيم المقيم في الفردوس الأعلى، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصالحين والشهداء. د. إلياس سيد عبدالكريم - المدينة المنورة