في بداية أيامي في الوظيفة، حمل أحد زملائي الأقدمين ملفًا كُتب عليه بالخط العريض الواضح «سرّي». وقال: أتعرف ما تعني هذه الكلمة؟ قلتُ: المعنى واضح. قال: لا. «سرّي» يعني أنه «سيُرى». والناس بطبعهم فيهم الفضول الذي يحرقهم من الداخل ليعرفوا الأسرار، حتى وإن لم تكن ذات أهمية مباشرة لهم. ومع ذلك، فإن الملفات السرية كانت تحفظها الدول، والشركات، والمؤسسات، والمصانع في الصناديق، والخزائن الحديدية المنيعة ذات الأرقام السرية، والمفاتيح المزدوجة؛ حتى لا تُتاح الفرصة لشخص واحد -بغواية الشيطان، أو بأسباب وضغوط أخرى- للتصرف بها منفردًا. لقد كان بعضها كخزائن البنوك المركزية. ومع كل ذلك، فإن أسرارًا كثيرة تسرّبت، وعرفها العالم. سواء كان ما تسرب أسرارًا للدول، أو اختراعات، أو تطويرًا في الصناعة، أو الطب، أو المعدات الحربية، أو فتوحات في التقانة، وفي شتّى مناحي الحياة. ونحن ننتقل اليوم إلى إنجاز أعمالنا بالاعتماد على الحكومة الإليكترونية، فإن المرء لا يكف عن التوجس من مدى أمان المعلومات في هذا الفضاء المفتوح. ولعل ما أوضحه مدير عام المركز الوطني الإرشادي لأمن المعلومات الأستاذ عبدالرحمن الفريح (عكاظ في 26/11/1431ه) عن تسجيل نحو 68 ألف محاولة اختراق لمواقع رسمية في القطاعين الحكومي والخاص يوميًّا. ما يؤجج الخوف من أن كثيرًا من المعلومات الشخصية، والسرية، وقواعد البيانات الحكومية والخاصة؛ ما هي إلاّ كتاب مفتوح لمن يملك الرغبة والقدرة الإليكترونية. وقد أضاف بأن عددًا من الأجهزة الحكومية لم تصل بعد لدرجة اتّخاذ الاحتياطات الكاملة ضد الاختراقات. وهذا لا شك مخيف حقًّا. ومع اتفاقنا مع سعادته بأنه لا توجد إجراءات يمكن اتّخاذها لتكون كافية وضامنة مئة في المئة ضد الاختراق -فقد علمنا باختراق جهات عالمية شديدة الحرص منها على سبيل المثال «البنتيقان»- إلاّ أن التحديث بشكل مستمر سواء للسياسات، أو الإجراءات الخاصة بأمن المعلومات مطلوب، والحرص على وضع الموانع المحافظة على سلامة تلك المعلومات وحمايتها أمر شديد الأهمية. كما أجد ممّا يقلق حقًّا قوله بعدم وجود جهة بعينها تقع عليها مسؤولية تأمين المواقع الإلكترونية الرسمية للأجهزة الحكومية ضد الاختراقات والجرائم المعلوماتية. فعسى أن نتدارك ذلك الخلل الخطير! فاكس: 026821426 [email protected]