لم يستثنِ الروائي أحمد الدويحي نفسه من المثقفين في مزاجيتهم وانتقائيتهم، مشيرًا إلى أن هذا الوضع أسهم بشكل كبير في تردي الأوضاع الإدارية في الأندية الثقافية الموكل أمر إدارتها لهم، مؤكدًا أن الحراك الثقافي لا تسيره لوائح وأنظمة ولا يسيره أعضاء يقتنصون كل الفرص لذواتهم.. وأنه يرى مثقفين لكنه لا يرى مشهدًا ثقافيًّا حيًّا ومنتجًا يراهن عليه، مبينًا أن أكثر ما يزعجه في مجتمع الباحة الثقافي حالات الصراع المجاني التي تدور بينهم، كاشفًا عن تفاصيل الخلاف بينه وبين مجلس إدارة أدبي الباحة بالإشارة إلى أن بعض أعضاء هذا المجلس يربطون بينه وبين صديق الكاتب علي الرباعي صاحب الصوت الصريح الذي يخافونه، مما يدفع إلى التعامل معه بمثل ما يتعاملون مع الرباعي، غير أنه برغم هذا الموقف يرى أن أدبي الباحة من الأندية صاحبة الرؤية بمثابرته على إقامة ملتقى الرواية في سنوات متتالية.. الدويحي أشاد بتجربة الروائي مشري في وصف قريته معتبرًا ذلك الوصف نموذج يمكن تمثيله بجميع القرى، مشيرًا إلى أن فوز رواية ترمي بشرر لعبده خال بجائزة البوكر العربية لا تعني أبدًا أنها أجمل نتاج له. العديد من المحاور في هذا الحوار مع الروائي الدويحي.. الكتابة بعفوية * توصف لغتك بأنها بائسة ولا تدل على أدنى درجات التعليم.. فكيف تدافع عن هذا؟ ** أظن أنك في سؤالك تقصد لغتي الروائية، ولكنك لم تحدد في لغة سؤالك المستفز البؤس في أي من رواياتي، فست روايات ومجموعتان قصصيتان عالم سردي، تمثل تجربة إبداعية وحياتية، فلا يعقل أن تختصرها في سؤال صحافي عابر، كان يمكن أن أتجاهله نهائيًّا بعدم الرد، وأغض الطرف عن إلحاحك.. فلا أحتاج للدفاع؛ لأن نصوصي الروائية خرجت للناس بعد أن اجترحت فضاءها، ويروق ما يصلني من قراءة لها، وتجعلني أرضخ لمبدأ من ألف فقد أستهدف.. وسأحسنُ النية لكوني قد سبقتك في حرفة الصحافة بثلاثة عقود، فيجب ودعني أصحح لغة السؤال لنحترم عقلية القارئ، كسؤال يطرح دائمًا على الروائي، ويعطي مثلًا على لغة الكاتب هكذا: (كيف تحدد مسألة اللغة في رواياتك، وكيف تتعاطى مع ثنائية اللغة - العامي والفصيح؟) مثلًا، فاللغة السردية وقد كتبتها قصة ورواية، تختلف حسب معطيات النص ونوع حمولته، فلغة القصة وامضة لماحة شاعرية، ولغة الرواية ردم في مدماك بناء الرواية زمنيًّا ومكانيًا، والكتابة ذاتها حالة إبداعية وولادة عالم جديد، تستدعي الروائي لكشف المستور في عالم السرد، ويذهب إلى مناطق غير مكتشفة في الذاكرة، يجسد فضاء الرواية وشخوصها وليكتب رواية عن عالم موازٍ للواقع.. ولا أريد يا محمد أن تكون لغتي الروائية أحيانًا مباشرة، فلغتي في الرواية تنتمي إلى عالمها، وفضائها، وشخوصها، ولغتي في هذا الحوار تنتمي ببساطة إليك، وأنت المحرض لدواع اللغة التي أكتب بها الآن، فيجدر بي يا صديقي أن نعود إلى السؤال الافتراضي.. وأنا على ثقة بأنك لم تقرأ نصًّا من رواياتي، فسنعود إلى مزاوجة ثنائية اللغة الفصحى والعامي أي الشفوي المتداول، وأحسب أني أخذت من التراث والفلكلور بلغته المحكية في بعض نصوصي وبالذات الشعرية، وأتفق رأي نقدي بملتقى الرواية في مهرجان الجنادرية لا يعرفني ولا أعرفه، فلمس صفاء اللغة في قراءته فوصف رواية (مدن الدخان) بالرواية الشعرية، واكتشفت أن رؤية الناقد تتفق مع نظرة من يصفون لغتي بالغموض، والرواية ليست لغة ولا بناء ولا تكنيكًا ولا شخوصًا وحدها منفردة، تنقذها بدون تضافر العناصر وموهبة الكاتب، وخلق نسيجًا وعالمًا روائيًّا موازيًّا للواقع ويتماس معه.. المفردة والجملة الروائية بنت بيئتها، وتحمل دلالتها المعرفية، وأكتب بعفوية حينما تكون اللغة مطواعة، تستوعب المشهد وتستجيب لدفق اللحظة، وأرفض أن تكون اللغة لذاتها كزخرفة جمالية، اللغة وعاء في عالم السرد ولغتي الروائية فصيحة في السياق السردي، ويجبرني أحيانًا الحوار الكتابة بالعامي، وأتذكر الآن رواية (أواني الورد) روايتي الثانية، فقد واجهت إشكالية نفس السؤال مع اللغة، وسآخذ الجانب الإيجابي من مفردة (سيئة) وأضعها في سياقها السردي وما يعني بالكشف، أما حكاية التعلمّ والتعليم؛ فأحمد الله روايتي تدرس في الجامعات على يدي أكثر من باحث وباحثة! النموذج المضيء * هل فن الرواية مرتبط بالمجتمعات المدنية؟ ** هكذا يتداول النقاد، وأظن أن ذلك صحيح إلى حد ما، فالرواية بنت المدينة في واقعنا الثقافي، فالرواية ولدت وكتبت في البداية تاريخيًّا في مدينتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، والمعنى يحمل دلالات بالغة الأهمية. لكننا نرى رواية مدهشة لهمنجوى (الشيخ والبحر) وهو يصارع أسماك القرش، وقد كتبت الرواية في القرن الماضي، وتعني أن البحر هو عالم الرواية، يختلف عما يدل على مدنية المجتمع، وإذ لابد من الاسترجاع للكاتب الروائي، نعي أن حرية الكاتب تختلف من مجتمع لمجتمع، وكتب المبدع إبراهيم الكوني عن عالم الصحراء، وشكل لنا بفضل موهبته الكثيفة عالمًا خرافيًّا من كائناتها الأسطورية، ولا بد أنك تعلم كيف جسّد لنا الراحل العظيم عبدالعزيز مشري تفاصيل مجتمع الريف إنسانًا وأرضًا وتراثًا في قريته محضرة، لتبقى نموذجًا يضيء لكل القرى.. بحث عن مزيج متجانس * هل تتوقع نجاحًا للائحة الأندية الأدبية الجديدة؟ خلينا نصوم؟! أكتب إليك الآن، وقد بيت (النيّة) عن ترصدّ، عدم إرسال إجابة على أسئلتك بعد كتابة الجملة الأولى على كل سؤال، وقد أفطرنا وكل عام والجميع بخير، ونحتفل بالعيد الوطني، لكنه الملل والبيروقراطية والتقليدية في حياتنا، جعلتني أعود إلى أسئلتك، ونحن سنبدأ موسمًا وعامًا جديدًا، وهل اللائحة الجديدة ستهب فينا أرواحًا جديدة؟ اللائحة ليست قرآنًا منزلًا، والأعضاء ليسوا ملائكة، ويجب ألا نغفل أن فيها جوانب إيجابية، فيجب أن تفعل روح الانتخاب على الجانبين النسائي والرجالي، ليأتي إلى الثقافة والأدب من يملك رؤية وتقديم تصورات جديدة، تخدم الثقافة والمثقفين بعيدًا عن الوصاية والنفعية، وتتسع الأندية لكل الشرائح وتكون مكانًا يؤمه الناس. والناس الذين يتكيفون مع الواقع في نظري لا يصلحون لإدارة المؤسسة الثقافية، ولا بد أن يكون هناك مزيج بشرط تناغمه مع ضرورة تقديم شيء، فليس بالضرورة أن يكون كل الأعضاء مبدعون، فالتنشيط الثقافي كفاءة لا تتوفر بالضرورة في كل مثقف ومبدع، والحراك الثقافي لا تسيره لوائح وأنظمه، ولا يسيره أعضاء يقتنصون كل الفرص لذواتهم، يسيره مثقفون يعون كيفية خلق فضاء للنتاج المتنوع، وهناك ملاحظة مهمة وهي أنه جرى تجديد التكليف للقائمين على مجالس الأندية الأدبية بعد صدور اللائحة الجديدة، مما يعني براءة اللائحة وأن لا جديدًا... كتابة سريالية * كثيرًا ما تص روايتك بأنها سريالية وهناك من يقول إن الدويحي لا يعرف ما السريالية؟ ** وأنت إيش رأيك؟ قد الجأ إلى العم (قوقل)، وأعطيك تعريفًا لتاريخ الفن من فنون الكهوف إلى الآن، وأسهب حول المذاهب الفنية بما فيها الفن السريالي من مئات التعريفات التي ستحضر، وأنسى كل المفاهيم التي تراكمت في الذاكرة، ويا دار ما دخلك شر.. لكني قبل هذا، أود أن أنفي ما أردت أن تقولني به، فلا يجوز أن أزعم بأني سريالي أو واقعي أو تجريدي أيضًا، فتُّشفني مهمتي الأساسية الكتابة الروائية، ومهمة غيري تصنيف ما يقرأ بحرية، وصنف بعضهم نقادًا وقراء أن كتابتي الروائية سريالية، وقلت في أحد حواراتي السابقة في جزئية محددة، تعني بشفافية تحول الصراع من الغرب للشرق، وربما حضرت واقعية رواية (وحي الآخرة) أيضًا، الموت تيمه تطارد بطل رواية يعيش صراع الاتجاهات، وكان الحوار ممتدًا عن (ثلاثية المكتوب مرة أخرى) ورمزية أساطيرها، وهي رواية شاملة بالمعنى العام وتعكس تجربتي، وعكست واقعًا عبثيًّا يعني بالحروب، والفنانون في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ابتدعوا مذاهب فنية ليعبروا من خلالها عما شاهدوه، وكانت رؤية جثثًا في الشوارع ولا يستطيعون إزاءها فعل أي شيء، فكان الفن السريالي والفن العبثي موقف، ولا تعنيني التصنيفات.. تعميم لا يجوز * كثيرًا ما تتهم الأندية الأدبية بالعشوائية والانتقائية والمزاجية.. ما السبب في ذلك؟ ** وليه هذي العدائية؟ وأيضًا لا يجوز التعميم، ففي المملكة حوالى 17 ناديًا أدبيًا فلست ساذجًا لأضعها جميعًا في سلة واحدة بدون متابعة نشاطها، وأفتقد للتواصل مع كل هذي الأندية وتواصلي مع المثقفين، والمثقفون بطبيعتهم انتقائيون ومزاجيون وأنا أحدهم، وما أرجوه ألا تكون النشاطات والبرامج انتقائية ومزاجية، شاركت في برامج ثلاثة أو أربعة أندية، وطبع لي نادي حائل الأدبي مشكورًا روايتي الأخيرة وحي الآخرة، وأحسب أن التناغم الثقافي على تقديم برامج ثقافية يقود القائمون على الأندية إلى النجاح، ونشاهد هذا في أندية ونشاهد الصراعات في أندية أخرى! نائم وصائم! * كيف تقيّم المشهد الثقافي في الوقت الحاضر؟ ** نائم وصائم كحالي الآن! وأرجو ألا يكون موسميًّا، يظهر النشاط وكأنه مرتبط بإقامة المؤتمرات كمعرض الكتاب ومهرجان الجنادرية، وتفرد أندية بعينها لجنس أدبي كالرواية في الباحة والشعر في جيزان، وتفرغت أخرى لطباعة النتاج الجديد والجيل القديم، وشهدنا في مرحلة ماضية حضور الجنس الشعري والقصة بكثافة ثم طغى الجنس الروائي، فتكثيف الأنشطة والتنوع على مدار الموسم، يحسم مسألة تداول الأجناس الأدبية والفنية الحضور، ويجعلها في متناول الباحث عنها دائمًا تعددية الأنشطة وتنوعها وأفراد مساحات واسعة، تخلق حالات من الحراك الثقافي، وأرى مثقفين ولا أرى مشهدًا ثقافيًّا حيًّا ومنتجًا يراهن عليه، فهناك أولويات في الواقع تسبق الحراك الثقافي، والمثقف جزء من حراك المجتمع.. مواجهة عدائية * بروز عدد من الأسماء الروائية ومنها شخصكم الكريم، يفسر بأنها دعاية وترويج صحافي وإنها شغل الجوقة أو الشلة التي أفسدت الجو الثقافي وأدت إلى بروز أعمال غير ذات قيمة؟ إذن، وما جدوى الحوار الآن؟ ولماذا تتعب نفسك في إجراء حوار مع كاتب نتاج الشلة والجوقة فاسد وبلا قيمة، كيف تريدني أتحاور مع سؤال بهذه الكيفية؟ حتمًا ستمنحني فرصة لأحاول أن أغرد بعيدًا خارج عالم تسطيح الواقع، وسأذكر كما قال شاعر ذات زمان ما ليس يذكر، فالرواية المحلية تجد الآن الحضور المبهر، وتشكّل رافدًا كان مفقودًا في جسد الرواية العربية، ونجد لها قرّاءً في الشارع العربي وحضورًا مغريًا، ويتداخل ويتضافر في هذا الحضور إشكاليات متنوعة، ويعنيني ككاتب روائي من هذه (الجوقة) النص الروائي ذاته، فالراصد الببلوجرافي يشير إلى الحضور الروائي المحلي الكثيف، وكنت تنتظر إلى ثلاثة مواسم محلية، ليحظى الوسط الثقافي برواية محلية قبل عقدين من الزمان، يكتبها أحد الرواد وهم أسماء معروفة نجُلها، ويشير ذات الراصد الآن إلى صدور أكثر من 80 رواية في الموسم الواحد، غياب المشهد الثقافي عن حركة الرواية الآن يذكرني بذات الغياب والمواجهة مع حركة الحداثة الشعرية في الثمانينات، مواجهة عدائية ومحاولة تغييبها وتهمشيها، وتتميز الرواية بأنها فن شامل، يستوعب كل الفنون الأخرى، وبالذات السينما والمسرح والقصة القصيرة، وأرى أن كثافة الإصدار الروائي الآن لم يأت من فراغ، ويخطئ كل من يظن أن كل هذا الإصدار الكثيف لا بد أن يتميز بالجودة، فالكتابة الروائية تجربة فنية سردية تجترحها الذاكرة، ويتضافر في نسيجها الفني والمعرفي، ويتماسك بناؤها زمنيًّا ومكانيًا لترفد نهر الحكاية، وأرى أن السؤال يظلمُ تجربة حركة الرواية، وكان يمكن أن يكون أكثر منطقية، لو كان يتحدث عن عالم ومجتمع الروائي الذي يكتب عنه؟ وحينها ستعرف لماذا الرواية المحلية فن المسكوت عنه، تغري القارئ في الشارع العربي بين الجنسين الآن رجالًا ونساء، فأجد إجابة السؤال في الفن الروائي ذاته؟ يضحكني ما جاء في السؤال عني، وسأظل وفيًّا ومتصالحًا مع تجربتي ولن أرد عليه. لكن من الإنصاف أن أذكر أن دور النشر المحلية، كانت مشغولة بمسايرة حركة التنمية والمطبوعات الحكومية، وأعطت للرواية المحلية فرصة أن تطل برأسها من الخارج، وحذت الأندية الأدبية الآن حذوها مع دور النشر العربية لإصدار مطبوعاتها، فالكتابة الروائية تحتاج لمعرفة وتفرغ وتصحيح وفضاء ودور نشر ومتابعة نقدية، نجد هذا في أوساط ثقافية سبقتنا في التجربة الكتابية الروائية، وتناول بعضها خصوصيتنا لكنه غير متوفر في المجتمع الثقافي المحلي، ويتم التعاطي مع الكتاب الروائيين مباشرة، فتخضع وتبحث دور النشر عن الربح وهو حق مشروع، ويبحث الكاتب عن الشيوع وقد يكون هذا على حساب قيمة النص ذاته، يحدث هذا كثيرًا ولا يحتاج إلى تبرير، يحتاج إلى فرز ونحتاج إلى الرديء لنعرف قيمة الجيد، وأرى أن أهم من هذا وذاك هو أن وجود مراكز دراسات تفرز هذا الركام وتستفيد من معطيات الجيد منه، ويؤلمني أن بعض أساتذة الجامعات يفرضون على طلابهم تحاشي دراسات بعض الروايات بسبب المزاج الاجتماعي. كيد وعتب * ماذا جرى لك مع أدبي الباحة في ملتقى الرواية الثالث؟ هناك نقطة مهمة، لمستها هناك قبل بداية الملتقى وشيئًا من العتب، ينسب إلى مقالة في زاوية، كنت قد كتبتها حينُها في الجزيرة تنتقد معايير اختيار المحتفى به الثاني، وكنت وما زلت أرى أن الشاعر الكبير علي الدميني كان حينها حفيًّا بالتكريم، وظننت أن وجهة نظري تلك ستمر مرور الكرام من مبدأ تعددية وجهة النظر، وظننت أن وجهة نظري تلك لا تفسد للود قضية، ودُعيت من نادي الباحة الأدبي ثلاث مرات، الأولى للمشاركة من زملاء لقراءة نصوص قصصية، وحضرت ملتقى الرواية مرتين، الأولى لقراءة شهادة عن تجربتي، والثانية وربما هنا - مربط الفرس وما ينطوي عليه سؤالك.. ومن كتب لك الأسئلة وأرسلك وحرضك.. لم يعمل فيك خيرًا! فكانت لإدارة الندوة التي شارك بها خمسة نقاد، وعدد من الباحثين حول نتاج الروائي الكبير الصديق إبراهيم الناصر الحميدان، فالناصر صديق حميم وزميل كما أشرت، أعرف كل الذين تناولوا دراسة نتاجه الروائي بجدية، وقد دُعيت لحفلات تكريمه في أكثر من موقع ونادي، واستجبت لها من قبل دعوة نادي الباحة، وأعرف أن الدكتورة نورة المري التي كانت موجودة في تلك الندوة كانت من أوائل الذين درُسوا نتاجه الروائي وغيرها كثر، وكانت خارج خارطة من حددوا أسماء المتحدثين، فاستنكرت عدم إدراج اسمها ودعوتها بداية للحديث، وقرأت الكلمة التي حملني إياها المحتفي به الأستاذ الرائد الروائي إبراهيم الناصر الحميدان، وأنابني عنه بسبب مرضه في تلك الفترة، وبقائه في المستشفى على السرير الأبيض، وأسقطت فقرة قراءاتها وتسلم الدرع في ليلة الاحتفاء، وكان مقررًا أن تقرأ الكلمة التي أحملها من الأستاذ الناصر حينما يتم التكريم واستلام الدرع من سمو أمير المنطقة، ولكن ذلك لم يحدث لأسباب لا أعلمها ولا تهمني فتكريم الأديب حقيقة بدراسة أدبه، وقيمة ما يكتب وليس بتسليم دروع، وأعتقد أن هذا الدور الذي جئت من أجله يا أخي، بعض أعضاء مجلس الإدارة حاليًا وسابقًا يعتقدون أني ضدهم بلا سبب، ويظنون أن تواصلي المستمر بالصديق الدكتور علي الرباعي وهو صوت أدبي وثقافي مبدع مفعم بالجمال في المنطقة، وصوت الرباعي الحر لا يرضي أكثرهم، ويخافون صراحته، فيعدوني صوتًا غير مؤيدًا لبرامجهم ونشاطاتهم الثقافية، وطبعًا - هذا شيء غير صحيح وأستغرب أن ينتدبوا أحدهم إلى الرياض ليسلم الأستاذ الناصر الدرع، وتخلوا عن وعدهم له بطباعة أعماله، عجّبت من تصرفاتهم العجيبة، وحتمًا فوجئت بخطاب وصاية ناصح من إدارة النادي، يتبعني بعد عودتي للرياض كطوقٍ، ويعدد كلماتي العامية ويفندها، ونسي كاتبه -الله يذكره بالخير- أننا في ندوة سردية، ولا بد من حضور الكلام الشفوي المتداول، وكنت حينها سأنشر ذلك الخطاب العجيب، ليعرف الناس أي عقليات تدير بعض المؤسسات الثقافية. لكني أبقيته في دائرة المسكوت عنه، ولم أغضب! قائمة طويلة * ما الكتب التي أثرت في حياتك؟ ** قرأت مئات الكتب وفي شتى فنون المعرفة، ومكتبتي عامرة ولله الحمد وهي مسكني الأليف والدائم، وقد رافقتني وعانت محنة الرحيل معي من بداية السبعينيات من حيٍ لحي ومن بيتٍ لبيت، وتكبر معي شيئًا فشيئًا حسب حاجتي، وكنت أشارك في المعارض الدولية ويتم توفير ما أحتاجه من كتب، كانت في تلك الفترة غير موجود توفرها هنا، ووفرت لي الحياة الصحافية التي عشت فترة في بلاطها، ما كنت أحتاجه من روايات ودواوين شعرية وكتب معرفية، وأميل في قراءتي بطبيعة الحال إلى السرد، وقرأت الرواية في كل قارات الأرض للبحث عن تقنيات سردية، للمعرفة وللمتعة معًا ومعايشة لذة الاكتشاف الروائية، وتدهشني روايات كثيرة، وتغريني عوالم وتقنيات بعض الكتاب الكبار، وتأتي أعمال الروسي دستوفسكي واليوناني كازانتزاكي على رأس القائمة، وأحببت ألوان روائية لكتاب متمردين كالمغربي محمد شكري والفرنسي جان جونية، وأحببت في كل كاتب جانب محدد يضيفه لذاكرتي، أحببت على سبيل المثال الروائي المصري الرائع بهاء طاهر لحساسيته المفرطة الشديدة تجاه، اختياره لشرائح المجتمع الذي يكتب عنه رواياته، أحببت صديقي الأستاذ الراحل عبدالرحمن منيف للمسته التوثيقية العلمية في رواياته، لكني أبدًا لا أنسي حرقة فقدان رواية ألف ليلة وليلة والزير سالم وسيرة بني هلال، وقد قذف بها أخي الصغير في النار المشتعلة بعد شجار، وقد استعرتها من مكتبة المدرسة الابتدائية في قريتي العسلة، لتوقظ صرخة طفولتي الغافية فوق الجبال. تغريني الكتب الفكرية وبالذات الفلسفية، وقد أفدت من تأويل الأساطير في العالم الروائي، وأجد لذة وحاجة في قراءة شعر أمل دنقل، وأجد أنه قرأ التراث العربي وأحسن توظيف أساطيره، وظلت تأسرني إلى وقتٍ قريب بعض الدواوين الشعرية كذائقة مجتمعية، وبقي ديوان أمل وحيدًا ومميزًا لا يفارق حقيبة السفر، وظهرت بعض الوسائل المغرية مع تطور وتعدد وسائل التقنية الحديثة، وللآسف لم أعد أقرأ بذلك النهم، وقل التعاطي مع الكتاب... سلعة مهمة * هل الإنترنت حل الكثير من مشكلات سوق الكتاب وفعل شيئًا لم تفعله دور النشر؟ ** سيظل الكتاب سلعة مهمة جدًّا في العالم العربي، وسيظل بذات القيمة لعقود مستقبلية منتظرة بسبب الأمية المنتشرة، فالتقنية الحديثة وعالم الانترنت نافذة جديدة مفتوحة للأجيال، وتتعاطى بكثافة مع هذه الوسيلة التقنية شريحة عمرية من الشباب، ونلاحظ أن هذه الوسيلة التقنية الحديثة، طوعت في مجتمعات لجوانب إيجابية، ونلاحظ على سبيل المثال أن القارئ لدينا ما زال يشترى الصحيفة، الإنترنت حل كثيرًا من إشكاليات التواصل، وقد يسد حاجة وما زلت أرى للكتاب حياة طويلة، وأشعر بأناقة وجاذبية تربطني به، وأتعاطى مع الإنترنت ككائن غريب الآن، فاقدًا الهوية أطول ساعات ممكنة برغم حنيني للكتاب. وإذا سمحت دعني أمرر عبرك موقعي الشخصي http://aldwaihy.com وأشكر الصديق الشاعر عبدالكريم العودة الذي صمم أيضًا مواقع للمثقفين كالرائد الجهيمان والثبيتي والصيخان والحربي والمحميد والأشقر، وتلاحظ أن الأسماء لأجيال قبل ثورة المعلومات، لأن الانترنت الآن نافذة مهمة لم تكن متوفرة. حساسية من الرواية * الرواية السعودية عندنا ضعيفة.. هل توافق على هذا القول، ولماذا كانت ضعيفة؟ ** طبعًا لا أوفقك في مجمل القول، ولكني أعرف أن هناك نصوصًا روائية ضعيفة وهشة، وأعرف أن هناك من جاء للرواية للشهرة وأساء للكتابة الروائية، وقد تكون هناك نصوص روائية ضعيفة لكتاب ناجحين، فالمسألة لا تعدو أن تكون تجربة مؤهلة لكل الحالات، ودعني أكن معك أكثر صراحة، ففوز رواية (ترمي بشررٍ) بجائزة البوكر العربية لا يجعلها في نظري أجمل نتاج الصديق عبده خال، ولا يمكن في ذات الوقت أجعلها مقياسًا لنتاجه السردي الكثيف، فالنظر يتم وفق رؤية متعددة وشاملة إلى المنجز وعالم الروائي، وفوز الرواية بالبوكر العربية شهادة لكل المنتج السردي المحلي، الرواية المحلية تترجم إلى أكثر من لغة الآن، ويسعدني أن أجد ورش عمل قراءات نقدية دائمة ومستمرة، يتناول فيها أعضاء جماعات السرد في كل المدن النتاج الروائي، المجتمع لدينا ما زال لديه حساسية من طبيعة تناول الرواية، وسننتظر طويلًا إذا لم تبادر الجماعات السردية، ويتم تفعيل نشاطها وكنا في الرياض من أوائل تلك الجماعات، وأجد أن هناك نشاطًا خارج دائرة مظلة المؤسسة الرسمية، فالملتقيات أصبحت مكررة والوجوه مكرسة، والرواية فن تراكمي يجدر بنا أن نفتح له بابًا موصدًا للحوار. سؤال مدهش * لماذا لا تنطوي روايتك على عمق فني ولا على تقنيات دالة على حرفة الروائي؟ ** كتبت يا محمد رواياتي وانتهي دوري، ولا أجد جوابًا على سؤالك المدهش.. جرأة مفقودة * هل لديك تحفظ حول الكتابة عن الجنس؟ ** لا شيء يغيب عن السياق الروائي، فأنا ضد ما يسمى بثلاثي (التابو) ويعني به بالجنس والدين والسياسة، فالرواية عالم يتماس ومواز للواقع، وكشف وقائعه السرية من أولى مهمات الرواية، فلا واقع حياتي يخلو من أفعال بشرية، ولا الرواية أيضًا تخلو من كل الأفعال البشرية، فالسياسي والتاريخي والديني والأسطوري والكلام الشفوي والفنون قد تشكل روافد النسيج الكتابي وعالم الرواية، وورد أيضًا هذا الزعم في سياق رواية (ثلاثية المكتوب مرة أخرى)، وتناول قضايا المرأة ضرورة، يفرضها الواقع وضرورة التواصل، لكني لم أجرؤ نهائيًّا على كتابة مشهد جنسي، وأشعر أن الرقيب الأخلاقي وتربيتي المجتمعية تقف حائلًا فوق رأسي دائمًا، فيرفض مزاجي وذائقتي كتابة مشهد جنسي، حينما لا بد وأن تحضر حالات الشجن، وقد أقترب من المشهد، أو أكتب ما يوحي عن حدوثه، فلا أجرؤ على وصفه، ولا أستغرق في حالات الجسد، وأرى حدوثه طبيعيًّا في نصوص كتاب السرد، وقد كتبت ارتحالات الروح والجسد، فصول من رواية أواني الورد، وقد تكشفت الأجساد في مياه ماء عين، وتحضرني البتول ولاحظ الدلالة الأسطورية، لبطلة رواية مدن الدخان كبطلة ذكية ومتحررة، تختصر بإيماءتها كل المشاهد الجنسية. بيئة موحية * كثير من أبناء منطقة الباحة مبدعون لكن خارج منطقتهم.. ما السر في ذلك؟ ** أظن أن المكان يتدخل في تكوين الإنسان، ويشكل هوية سلوكه ويرسم مسار فعله أيضًا، ومجتمع الباحة عرفته قبلي زراعي، وتجده في تفاصيل سرديات عبدالعزيز مشري رحمه الله، وتجد الإنسان الذي يتعاطى مع الأرض أكثر حميمي، وموقع مجتمع سكان منطقة الباحة موقع جمالي، فالمنطقة التي وهبها الله طبيعة خلابة تغتسل بماء السماء وضباب السحاب، وتعاقب الفصول في تهامة وأعالي الجبال، والهجرة جزء من ثقافة هذا المجتمع قديمة وتاريخية، وتذكرني بحالات الغربة ودهشة المدينة، وقد وسمت النتاج القصصي المزدهر في السبعينيات والثمانينيات، وكنا حينها نشهد تحولات التنمية في أوجها، ويندمج أبناء مجتمع الباحة مع إخوانهم المواطنين، يساهمون في تنمية الوطن. والإنسان يبحث بطبيعة الحال عن ظروف حياتية، توفر له ما يحتاجه ليعيش كالجامعة والمدرسة والمستشفى والوظيفة، وهجرة أبناء الباحة كانت للبحث عن الوظيفة والجامعة بالذات، والمنطقة الآن تشهد حركة تنمية عمرانية هائلة، وتسود ثقافة الأسمنت وقد تخلى الناس عن ثقافة البناء التقليدية، وبزغ الصراع على الأرض بشدة لضيق المساحة، تحزن حينما ترى تلك العلب الأسمنتية ترتفع في حقول الذرة والحنطة، وتشعر أن كثير من الحرف والعادات والمفاهيم المجتمعية، تختفي وفي طريقها إلى الزوال، وتلمس التحول من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني غير منتجٍ. * هل ترى أن أدبي الباحة استطاع أن يكوّن قاعدة ثقافية وأدبية تضاهي بعض الأندية الكبرى؟ وكأنك تذكرني بثقافة المركز وبثقافة الأطراف، وكان هذا الكلام شائعًا وصحيحًا في السبعينيات والثمانينيات حينما كانت بعض المراكز تنتج وأخرى تتلقى، نادي الباحة له برامج وله نشاط كالأندية الأخرى، وأظن أن تفرده بإقامة ملتقى الرواية لمواسم متتالية تجعله في محط الأندية التي يتضح أن لها رؤية، والملتقى ذاته يجسد تواصل أبناء الباحة مع منطقتهم، فترتيب وقائع الملتقى وأوراقه من قبل د. محمد ربيع الغامدي والآخرين، فلا يعيب النادي أن تأتي الأفكار من خارجه لتدعم برامجه ونشاطه، وما يزعجني في مجتمع الباحة الثقافي حالات الصراعات المجانية، ودعني أستعر وصف احدى الزميلات القاصات لليل الباحة الثقافي، فقد شاهدتها كعجوز متوحشة وتقليدية، وظهرت الجبال من بين الأضواء، وكأنها أظافرها تهوي لتقتلعها..