مجموعة من الشباب الغيور أطلقوا حملة على الفيس بوك بعنوان (نبيها أربع) والهدف منها الدعوة للتعدد و(تحفيز ) الرجال على الزواج مثنى وثلاث ورباع، وقبل ذلك خرجت حملات مشابهة، منها (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وفق الحد الشرعي والذي اقترن بشروط أهمها القدرة والعدل بينهن في إعاشتهن وحقوقهن. هذه مسألة صعبة عمليًا في زمن أصبح فيه الزواج كسباق المسافات الطويلة يسقط المتسابقون فيه تباعًا، فما بالنا بالتعدد غير القائم على شروطه وضوابطه، في المقابل نجد من يكتفي بواحدة راضيًا أو مرغمًا، وآخرون يتمنون التعدد لكنهم يسرّون رغبتهم في نفوسهم إلى آخر العمر، وهناك من ظن أنها بطولة فأتعبته التجربة وقال (استاهل) لكن هناك من فعلها وعدد مثنى وثلاث ورباع ويعيشون في مودة وتبات وأنجبوا الصبيان والبنات. إن التعدد مشروع في الإسلام وفق شروط لتحقيق مقاصده وهذا معلوم، لكن المشكلة في من يعمل به لأسباب تخصه وغاية في نفسه بغير ضوابط، ومثل هذا النموذج يفتح عليه وعلى أسرته وابنائه أبوابًا واسعة لمشكلات تؤذي الجميع وتضر بالمجتمع، والإسلام الحنيف لم يفرض على المسلم التعدد وإنما جعله اختياريًا ولضرورة ومقاصد وأسباب، ولا أوجبت الشريعة الغراء على المرأة وأهلها القبول بزوج له زوجة أخرى أو أكثر. لاحظوا أن ما تطرحه تلك الحملات تتجاهل رأي المرأة في مثل هكذا قضية مهمة ومؤثرة، رغم أن المرأة تمثل الطرف الأخر. فكيف يعتبرها البعض سقط متاع؟ ولماذا هذا التناقض والأحادية التي تعكس فكرًا ذكوريًا، وقد صادف أن اطلعت على مضمون الحملة في موقع (الوطن) وتداولته مواقع كثيرة كالعادة على الشبكة العنكبوتية، وقادني البحث إلى موقع إسلامي أورد مضمون حملة التعدد من الرجال (يؤيدون حملة التعدد) وأسقط ما ورد من آراء لنساء بينهن أخصائية اجتماعية (متحفظة على فكرة الحملة) ويبدو أن الموقع الإسلامي اعتبر تحفظ المرأة مناقضًا لما ورد من تعاليم الدين الحنيف مع أن القرآن الكريم لم يأمر الرجل بالتعدد ولم يلزم المرأة بالقبول. صحيح أن هناك نسبة عوانس كبيرة مثلما هي نسبة المطلقات، ويدفعن ثمن سلبية المجتمع وصعوبة الزواج لارتفاع تكاليفه وغلاء المهور، وكذلك المطلقات اللاتي يسددن فاتورة عدم تأهيل كليهما أو أحدهما على مسؤولية الزواج، ولكن هل حقًا تنجح مثل تلك الحملات رغم جرأتها وأهمية فكرتها؟ أم أنها ستكون مجرد فرصة لطرح سجالات بين تأييد غالبًا من الرجل ورفض أغلبه من النساء. القضية في الواقع أكبر وأعقد من ذلك بكثير لارتفاع تكاليف الزواج على معظم الشباب وهي أزمة متجددة ومستفحلة، فكيف يمكن لهذه الحملات أن تشجع على التعدد بينما الشاب اليوم بالكاد يستر حاله، وبالتحويش والقروض ومساعدة الأهل أو من جمعيات معنية بذلك يتم زواجه بواحدة ويحمد ربه ويعض عليها بالنواجذ. وإذا فرضنا أن تلك الحملات قد جاءت بنتيجة 20% مثلاً وحصل التعدد مثنى وثلاث ورباع، فكم ستكون نسبة التعدد في الطلاق لا سمح الله، ومجتمعنا يشكوا أاساسًا من ارتفاع أعداد المطلقات والتي تحصى بالساعة على مدار اليوم والشهر والعام، ومعظمهن يمثلن زوجة واحدة وبعضهن الثانية أو الثالثة أو الرابعة. لقد تبنت الحملة الدعوة للتعدد لمجرد (تحفيز الرجال) على مواجهة عنوسة البنات بدعوى أن السعوديات يتزوجن من أجانب. فأين المجتمع من غلاء المهور والبطالة حيث لا يستطيع الشاب الاقتران بزوجة واحدة إلا بعد عناء سنوات. ولنقارن بين إعلان عن وظيفة وإعلان آخر في نفس التوقيت ونفس الوسيلة عن طلب زوج أو زوجة كم سيطرق باب الوظيفة وكم سيتجاوب بجدية مع طلب الزواج. نقطة أخرى هل ستقنع الحملات المهرولين وراء المسيار والمصياف وغير ذلك من طرق الزواج السري عبر النوافذ هربًا من التبعات والبعيد عن عين أم العيال. أخيرًا نقدر دعوة تلك الحملات لكننا نتمنى لو ركزوا على بركة تيسير المهور للشباب ليدخلوا البيوت من أبوابها لواحدة ويوفقون رأسين في الحلال. [email protected]