ذهبتُ لتقديم واجب عزاء في وفاة. كان الجو حزينًا إلاَّ من أشخاص كانوا يقعدون خلفي، انشغلوا طيلة الوقت بالحديث عن ثروة المتوفى، يحصون عقاراته في الداخل، وعبر البحار، ويوزّعون تركته، ويحذّرون من خلاف ورثته، حتى ليظن سامع أنهم من الورثة، أو لهم في وصية الميت نصيب. همس في أذني مَن كان إلى جواري من المعزّين، أليس هذا تطفلاً وعملاً لا يليق، قلت له معك حق، بل قلة حياء، فليس من الذوق الخوض في خصوصيات الآخرين في مثل هذا المكان، وهذا الظرف. لم أسمع كلمة طيبة عن المرحوم الذي كان شاغلاً الدنيا بتبرعاته السخية، وصفاته التي لا تُحصى. وازددتُ دهشة حين انتقلت في نفس الليلة من مجلس العزاء إلى صالة فرح، فمن سوء حظي أن جلست على طاولة، كان موضوع الجالسين حولها، المتوفى إيّاه وما ترك. لم تكن طاولة عوام، ولكن حتى المثقفون لهم من لقافة العوام نصيب. * بعد شهور قليلة كان المجتمع كله يتحدث عن شر وقع بين الوارثين، عن اختلاف فرّق بينهم، لا يختلف الورثة إلاّ إذا كان بينهم طامع يريد أن يغتال حقوق غيره. ذهبوا إلى المحكمة، مضى على الخلاف عشرون عامًا.. مات بعض الورثة، وظهر ورثة جدد، والخلاف لا يزال مستمرًا. * مثل هذه القضايا كان يحلها الرجال في المجتمع على فنجان شاي، أو تبسي سليق.. أين الرجال اليوم؟ سؤال لم أجد له جوابًا!!