أكد معالي الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أهمية الجهود الفكرية كرأس رمح في مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة، ومعولاً على هذا الجهد، مشدداً على أنه مسؤولية مشتركة تقع على عاتق كل مواطن ومقيم في هذه البلاد، ومؤكداً أن هذه المهمة من أولى مهام الجامعات في المملكة. مشيدا بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تعزيز الحوار بين أتباع الأديان لما فيه خير البشرية، واصفاً ذلك بأنه السبيل الوحيد لضمان التعايش السلمي على الأرض وتعزيز قيم التسامح والأمن ومحاربة الأفكار التي تبث ثقافة الكراهية. هذا وغيره تجدونه بين ثنايا الحوار التالي: مسؤولية مشتركة هناك الكثير من الدّعوات المخلصة للإصلاح في كل مناحي الحياة في المجتمع المحلي. ما أولوياتنا في اعتقادكم لبناء ذلك الإصلاح المنشود؟ في الواقع مجتمعنا وبلادنا بخير وعافية في ظل تمسكنا بديننا الإسلامي وثوابتنا؛ وفي ظل متابعة ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وحكومته الرشيدة وقد شهدت خطوات تطورية وإصلاحية كبيرة في شتى المجالات؛ ولكن الطموح دائما لمستقبل أفضل وأعتقد أن أولى خطوات الوصول إليه تكمن في تقوية الصلة بالله تعالى وإخلاص العمل والرفع من الهمم في خدمة الدين والوطن ؛ ثم أن يراقب كل مسؤول الله تعالى في كل أعماله وقراراته، وأن يعتبر كل مواطن ومقيم في هذه البلاد نفسه مسؤولاً عن البناء والعطاء في شتى المجالات وفق خطط واستراتجيات واضحة. حرب الأفكار نعلم جيداً الخطوات الحثيثة التي تبذلها الجامعة الإسلاميّة في السنوات القليلة الأخيرة في تصحيح بعض المفاهيم ذات العلاقة بالفكر المنحرف. ألا ترون أنّه وجب تبني فكرة مشروع وطني على مستوى الحدث، يشارك فيه مفكرون ينطلقون من أرضيّة علميّة تجسّد من خلال الدراسات والبحوث وأوراق العمل، وتشارك فيها كل فئات المجتمع لتساهم في انحسار ظاهرة الإرهاب؟ بداية أشكركم على هذا الحوار وأرجو أن يكون فيه الفائدة للقارئ الكريم؛ الحقيقة أن محاربة التطرف والفكر الضال بشتى صوره مهمة تقع على عاتق كل مواطن ومقيم؛ فالجهود الأمنية حققت ولله الحمد نجاحات كبيرة في الضرب على هؤلاء في حملات استباقية دحرت مخططاتهم الإجرامية؛ ولذا فالمهمة الأكبر تقوم علي الجهود الفكرية في تجفيف الفكر الضال؛ وهذه رسالة كل المؤسسات الحكومية والخاصة بل هي أمانة في عنق كل مواطن ومقيم؛ وقد قامت العديد من المؤسسات بجهود مباركة في هذا الشأن ومن ذلك برنامج المناصحة والحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب التي نفذت قبل سنوات بالإضافة للكراسي العلمية المتخصصة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات؛ وأنا معكم أنه لابد من أن تعمل تلك الجهات تحت مظلة واحدة ووفق استراتيجية ومنهجية واحدة. مشاركة لا انزواء البعض يقول: إنّ الجامعة الإسلاميّة تمرّ بمرحلة (مخاض)؛ نتيجة (عزلة) فرضتها بعض المعطيات على امتداد 50 عاماً. السؤال: إلى أين تتّجه الجامعة في ظل هذه الخطوات الحيّة التي أثنى عليها الجميع؟ لا أوافقك على الحكم على الجامعة بالعزلة فيما سبق ولكن لابد أن ندرك أن للجامعة رسالتها في العمل على تعليم أبناء المسلمين في مختلف دول العالم ؛ فهذا هو دورها الأهم وقد قامت به سابقا على أكمل وجه، وتقوم بذلك الآن ولله الحمد ، أما فيما يتعلق بالأنشطة والبرامج الثقافية الأخرى، وأعني الداخلية فالجامعة نظمت فيما مضى مؤتمرات وندوات، ودورات داخلية وخارجية، وما تقوم به اليوم هو تواصل لذلك الأمر، ولكن ربما الآن بتركيز أكبر وبحضور إعلامي مكثف، والحقيقة أن ذلك من صميم دور الجامعات أن تلامس حاجيات المجتمع وأن تكون حاضنة لفعاليات ثقافية تناقش ما فيه من ظواهر وتزيد من معارفه في مختلف الفنون. تفعيل الخطاب هل ترون أنّ الخطاب الإسلاميّ عرف تطورًا تّجاه بعض القضايا المعاصرة من قبيل: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني؟ يا أخي الكريم ديننا الإسلامي الكريم فيه كل ما يحمل الخير للإنسان ففيه حفظ حقوق الإنسان المسلم وغير المسلم، وفيه الشورى، وفيه احترام الرأي والرأي المخالف، فيه تنظيم للشئون الاجتماعية؛ كل هذا موجد في ديننا ولكنه يحتاج إلى تفعيل ولغة خطاب واضحة تخاطب المجتمع بلغته المعاصرة وهذه مهمة تقع على العلماء المعتبرين وهم أهل لذلك. من طرائق التّفكير السّائد في حياتنا طريقة (تبرير الأخطاء)؛ فدائمًا ما نسارع إلى تبرير أخطائنا، وبالتّالي تضيع علينا فرصة الاستفادة والتّعلم. ما هو رأيكم في هذا المنطق التّبريري؟ تبرير الأخطاء مواصلة للخطأ وقناعة فيه ؛ بينما الاعتراف به هو بداية تجاوزه وأول خطوات التصحيح ، وكما قالوا ليس عيبا أن تخطأ ولكن العيب أن تصر على الخطأ وتبرره. حضور ومشاركة لاشك أنّ المراقب يلمس كمًا هائلاً من المؤتمرات والنّدوات المتلاحقة لم يكن لها ذلك الحضور فيما سبق؛ وتغير الأمر إبّان ترؤسكم للجامعة الإسلاميّة يأتي في مقدمتها محاربة الإرهاب والتّطرف والغلو والتّشدد.. برأيكم إلام ترجعون ذلك؟ وهل تسعون للتّعويض عن تلك العزلة في معالجة تلك الظّواهر؟ أكرر ما ذكرته سابقا فالجامعة لم تكن بعزلة عن حاجيات الوطن، ولكن في هذه الفترة كان الحضور أكثر، وتكثيف الجامعة للندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي يشارك فيها النخب من العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف دول العالم هو واجب تقوم به الجامعة في خدمة الدين والوطن وخاصة في محاربة الأفكار الضالة المنحرفة التي تستهدف ديننا وأمننا في وطننا مملكة العطاء والإنسانية. ثقافة الحوار يُحمدُ لكم دعوة نخبة من جميع الأطياف في باحات الجامعة: ندواتها ولقاءاتها؛ هل هو النهج الذي ستسير عليه الجامعة في ظلّ الانفتاح، وتنامي لغة الحوار والاختلاف؟ أم أنّها ردّة فعلٍ لتلك العزلة التي استمرت قابعة لعقدين من الزمن؟ لغة الحوار تعززت في بلادنا؛ وما إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلا خير شاهد ، كذلك رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الحضارات الذي يؤسس للغة إنسانية مشتركة هدفها التعايش بين الشعوب في أمن وسلام يدعم المسيرة العالمية في هذا الاتجاه، والجامعة بدعوتها للأطياف المختلفة في برامجه وفعالياتها تحاول تحقيق توجيهات خادم الحرمين في ترسيخ مبادئ ومفهوم والحوار الهادف البناء الذي يجمع ولا يفرق ، وتحاول أن تصنع لبات في هذا الطريق المبارك. الأمن الفكري من خلال رؤيتكم لتجربة وزارة الدّاخلية, كيف تقرؤون تلاشي العمليات الإرهابيّة بحمد الله؟ وما الدور الذي يجب إتبّاعه لوأد هذا الداء؟ وزارة الداخلية بقيادة رجل الأمن في بلادنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حققت نجاحات كبيرة على المستوى الأمني حيث استطاعت بحمد الله أن تقضي على الخلايا الإجرامية وإحباط مخططاتها في ضربات استباقية موفقة ، وفي الشأن الفكري أيضا كان للوزارة رسالتها من خلال برامج تعزز الأمن الفكري كبرامج المناصحة بمساهمة من مؤسسات أخرى .فوزارة الداخلية قامت بواجبها في حماة الوطن أمنياً وفكرياً. وأما وأد هذا الداء فيحتاج إلى تضافر الجهود الدينية والتربوية والعلمية والإعلامية لبيان وسطية الإسلام وسماحته وبعده عن التطرف ، وتفتيت الشبهات التي تغرر بالشباب. عالمية الإرهاب الإرهاب تغذيه الكثير من العوامل؛ وقد ذاقت السعودية الكثير من ويلات هذا البلاء المقيت، وسبق أن عوّل البعض على العقل؛ هل تعتقدون أنّ العقل هو السبيل (الأوحد) للخروج من أغلال هذا الفكر المنحرف؟ الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة، حديثة، لا دين له، ولا وطن وقد تتغير أشكاله وأساليبه بتغير الزمان والمكان، ولكنه يظل -دائماً- مرتبطاً بالإنسان أيا ما كان، وأيا ما كانت عقيدته أو ملته أو مذهبه الفكري. ومن الخطأ نسبته إلى دين دون آخر، أو إلى جنس أو عرق بشري دون آخر، أو دولة دون أخرى. وفي حاضر عالمنا المعاصر تجددت أشكال الإرهاب وأساليبه وتعددت أسبابه ومنابعه؛ وذلك بما يقضي القول بأنه قد أصبح جريمة العصر وحرابته. لا، بل أضحى أم الجرائم، ومنبع الإثم والدمار، بما يبثه – بين الآمنين الوادعين – من رعب وخوف غير مسبوقين، وبما يخلفه من قتل للأبرياء والمطمئنين دون تمييز بين طفل أو رجل أو امرأة أو شاب أو كهل, أو مسلم أو غير مسلم، فالجميع في نظره أعداء. وبما يحدثه من دمار للأبنية والمنشآت والملكيات العامة والخاصة، دون نظر أو اعتبار إلى ما يلحق المجتمع من خسارة أو ضياع. والقضاء عليه يكون بنشر الوسطية والفكر الصحيح، والحوار الهادف البناء، ويكون بالعدالة في إعطاء الحقوق لأصحابها، واحترام الأديان والمقدسات الدينية. ومعالجته فكرياً من خلال المؤتمرات والاتفاقيات الجماعية والثنائية, وإصدار أنظمة وآليات لترسيخ قيم التفاهم, والحوار مع الآخر, وإشاعة روح التسامح والتعايش السلمي بين أبناء الإنسانية, ونشر أدب الخلاف, وثقافة الحوار, ومحاربة فكر الكراهية للآخرين.