متجاوزة ما عرف عنها في التعبير من التراث والموروث الشعبي قدمت الفنانة منى القصبي أعمالاً حديثة ومتنوعة في آخر تجاربها الفنية من خلال معرضها الشخصي الذي أقيم في صالة المركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة، وافتتحته الأميرة صيتة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. ويقام حاليا في مركز تياترو مول. وتعد منى القصبي واحدة من رائدات الفن التشكيلي بالمملكة حيث قدمت وعلى مدى سنوات أعمالاً فنية أثرت الساحة الفنية، بالإضافة لكونها قد أسست المركز السعودي للفنون والذي يعد أهم الصروح الفنية بالمملكة، ويقدم الدورات للفنانين والفنانات والمواهب تحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام. حقل الطبيعة الخصب وقد أشاد النقاد والفنانون بتجربة الفنانة منى القصبي؛ حيث تحدث عنها الدكتور سعد العبد بقوله: هناك ترابط فيما حققته منى القصبي من إبداع بين الشكل والجوهر، بين الظاهر والباطن، حيث استقت إبداعها من الطبيعة بالتأمل الدقيق والعميق الذي من خلاله جمعت بين جوهر الأشياء وظواهرها، حيث جعلت من بواطن الأمور ظاهرًا عيانًا مرئيًا. لقد أزالت السواتر التي تحجب الجوهر الخفي المتمثل في النظام الكوني، لتحقق خصوبة إبداعية نابعة من تأمل الظواهر الكونية تأملاً دقيقًا. ويضيف العبد: ولكون الطبيعة هي المجال الخصب الحافل بالقيم الجمالية والمفردات التي تثير عند الذات ضالة الإبداع، فهي من أهم مصادر الاستلهام التي عايشتها الفنانة وامتزجت معها متأملة ومدققة الرؤية في كتلها وألوانها وما بها من تشكيلات لتحقق حالة من حالات الانطباعية التعبيرية. لقد صورت الفنانة أعمالها وفق قوانين ونظم الطبيعة المرئية مضافًا إليها مزيجًا من الطاقات الروحية الخاصة بالفنانة، فهناك عروس البحر التي صورتها في هيئة من الأنوثة المتكاملة حيث جعلت منها أولى مصادر الرؤية ثم جعلت من المسطح المستطيلي الشكل الذي تقف أمامه ثاني مصادر الرؤية ويتضمن هذا المستطيل منظرًا طبيعيًا جعلت الفنانة منه ومن عروس البحر رؤية متبادلة حيث تتحرك العين فتسقط تارة على المسطح وأخرى على شكل عروس البحر. ويواصل سعد حديثه مضيفًا: في أعمال التشكيلية منى القصبي ذلك التحدي الواضح في التوظيفات اللونية فنرى أعمالها وقد تميزت وتنوعت في السيادة اللونية فمنها ما يظهر بالأزرق أو البني أو الأحمر وغيرهم، في محاولة جمالية لتحقيق الهارمونية اللونية، والتي حققتها تارة باستخدام مجموعة لونية واحدة تميل للبرودة حينما توظف الأزرق، وتميل للدفء حينما تستخدم الأحمر ومشتقاته، أو تتعادل بين المجموعتين كي تفسح مجال الرؤية للشكل كي يتميز ويسود العمل ككل. والمتأمل في أعمال الفنانة يلاحظ تلك السمات المميزة لإبداعها من حيث سيادة عنصر ما أو لون ما، وفق عموميات العمل الذي تارة يقترب من الفواتح وأخرى من القواتم. وحينما ننتقل من التعبير الخيالي إلى التشكيل الواقعي الانطباعي، حيث صورت الفنانة بفرشاتها تعبيرات من الواقع الملموس، وقامت بتطعيمها بالألوان التي مزجت فيها بين الدافئ والبارد، في حالة من التباين والهارمونية في آن واحد، فكأن أعمالها الإبداعية نتاج جمالي للتوظيفات اللونية القائمة على التناسق والانسجام والتوافق، محددة أولويات رؤية العمل التي تتحدد تارة في الشكل وأخرى في اللون وثالثة في الحجوم. وأخيرًا فالمشاهد والمتأمل يستطيع كل منهما استشراف الكثير من القيم الجمالية التي تميز إبداع منى القصبي، فهناك التناغم والانسجام والترديد، ومراعاة تناسب الأشكال والأحجام والألوان، كما حققت تفصيلات الأعمال تناغمًا جماليًا مميزًا.