مع تزايد وتعقّد المشكلات التي أصبحت تضرب عميقًا في النسيج الاجتماعي المحلي، بدأت تظهر دعوات صريحة وسط العلماء والدعاة والأكاديميين المختصين إلى تفعيل دور الشباب ضمن منظومة المحاولات الجارية لإيجاد حلول لهذه المشكلات المتعددة، بهدف الاستفادة من طاقتهم وقدراتهم، ولتخفيف حدة وآثار هذه المشكلات أيضًا باعتبار أن الشباب هم أكثر شرائح المجتمع تعرضًا وتأثرًا بهذه المشكلات. وبحسب أكثر من مهتم في منظمات ومؤسسات شبابية فإن دور الشباب كان حاسمًا على امتداد تاريخ الأمة الإسلامية، منذ بداية الدعوة إلى الإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الوقت الراهن، بيد أن حماس الشباب تجاه مجتمعه وقضاياه يتوقف على المثل العليا التي تكون سائدة في هذا المجتمع، بجانب مدى وجود شخصيات قيادية تلعب دور الموجه لهذا الشباب، فالناشئة في رأيهم لا يمكن أن تعمل دون توجيه ودون رعاية من شخصيات أو مؤسسات ذات تجربة وإمكانيات تستطيع أن تحول حماس هذا الشباب ورغبته في التغيير إلى عمل إيجابي له ثمراته الملحوظة في أوساط المجتمع. بداية حث سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ شباب الأمة إلى أن يكونوا سباقين لأعمال الخير في أي مجال يستطيعونه لأنها بإذن الله ستكون عائدة عليهم بالفائدة والخير. وأكد سماحته أن سلفنا الصالح كانوا سباقين في العمل الطوعي وذلك ابتغاء لمحبة الله ونصره للمسلمين فعلى كل امرئ أن يعمل ما يستطيع له من عمل الخير. مفهوم التطوع الشيخ الدكتور خالد العجيمي المهتم بقضايا الشباب وسبل تنمية مساهماتهم للمجتمع وللأمة بشكل عام، اعتبر أن نشر مفهوم التطوع وسط الشباب وجعله ثقافة عامة لهذه الفئة، من شأنه أن يحدث آثارًا عميقة للغاية في المجتمع، مؤكدًا أن التجارب دلت على أن الشباب بإمكانه أن يساهم في أعمال تطوعية كثيرة وسط مجتمعه، بيد أنه يفتقر إلى الجهة التي تتبناهم وتدعمهم، وقال في تصريحات له إن زياراته المتتالية إلى دول إفريقيا في إطار عمله في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، جعلته يقف على كثير من مساهمات الشباب ومدى قدرتها على إحداث تغيرات مهمة وكبيرة في الإطار الذي تشتغل عليه. وذهب العجيمي إلى أن هناك محورين يجب العمل عليهما لتفعيل دور الشباب، أولهما إيجاد محاضن لأنشطة الشباب والعمل على دعمها، والثاني تبني المبادرات التي تطرح من قِبل المصلحين الاجتماعيين والمهمومين بترقية مجتمعاتهم، ورأى أن تجارب “صنّاع الحياة” التي تولاها الداعية عمرو خالد كان لها أثرها الكبير في الكثير من المجتمعات الإسلامية، مشددًا على حاجة المجتمع المحلي إلى مبادرات مماثلة يكون لها دور فاعل في تخفيف المشكلات في المجتمع، ومساعدة مَن هم في حاجة إلى مساعدة، مؤكدًا في حديثه أن الاستفادة من الشباب وملء أوقات فراغهم ستعمل على ترقية شخصية الشباب وتنشئهم على الإحساس بمعاناة الآخرين، كما ستعمل كذلك على منحهم الثقة في أنفسهم وفي قدرتهم على حل المشكلات والمساهمة بإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه. إدارة الأزمات وطالب الدكتور خالد العجيمي رئيس لجنة إفريقيا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، بأن يستوعب الشباب بشكل أكبر في أعمال الإغاثة وإدارة الأزمات مثل السيول والحرائق كتدريب لهم في أعمال التطوع، ورأى أن الشباب الذين ينشطون في مجالات التطوع في مطلع شباب يكونون أقدر من غيرهم في دعم المجتمع عبر أكثر من وسيلة عندما يكبرون في العمر، وقال إنه بهذا النهج يمكن أن يكون هناك مئات الآلاف من الشباب والشيوخ الذين يولون عناية كبيرة بالمجتمع وقضاياه. وتحدث الشيخ العجيمي عن وسائل أخرى يمكن بواسطتها تفعيل دور الشباب في المجتمع، وذلك من خلال الاهتمام بوسائل الإعلام وانفتاحها على الشباب وقضاياه، وتساءل عن أسباب غياب المطبوعات الشبابية الجادة في المجتمع هنا، بينما تنتشر المطبوعات “التافهة” التي تخاطب الغرائز لا العقول. مبادرات مهمة ومن جانبها قالت الجوهرة اللعبون وهي مهتمة ومتفاعلة مع قضايا الشباب وتنشط في مجال الإصلاح الأسري، إن المجتمع المحلي في حاجة ماسة إلى مبادرات مهمة يقوم بها الشباب في المراحل المقبلة، مؤكدة أن المشكلات الاجتماعية المتعددة التي يعاني منها الناس في الوقت الحالي هي بسبب الفراغ والإعلام الفاسد القادم من الخارج، وأن الشباب معني بالدرجة الأولى بأن يحاول تقديم حلول لهذه المشكلات، وأن يصبح هو ذاته (أي الشباب) قدوة في المجتمع، وأكدت الاختصاصية الاجتماعية أن هذا الأسلوب كفيل باقتلاع كل المشكلات والقضايا التي يعاني منها المجتمع، وذكّرت في هذا الصدد بأن الشباب هم الفئة الأكثر تعرّضًا للمشكلات، كما أنهم هم أيضًا أكثر الفئة تسببًا في المشكلات، وأن العمل على استيعابهم في المجتمع وتشجيعهم ستكون له آثار واضحة على المدى البعيد. وشددت الجوهرة اللعبون على دور وسائل الإعلام وقالت إن الإعلام هو أحد أمضى الأسلحة التي يمتلكها المجتمع، فإمّا ان يوظفها لصالحه ولخدمة أهدافه ودعم استقراره، أو ستكون هذه الوسائل الإعلامية ضد المجتمع، وتعمل على هدمه وتفتيته، “وذلك مثل ما يحدث الآن من مجموعة من الصحف والفضائيات التي تتجاهل قيم المجتمع وترسّخ في الشباب قيمًا أخرى غير التي نعرفها”. التجربة الغربية وأشارت إلى أن فترة الشباب هي فترة مهمة وعظيمة وعلى الدول التي تريد أن ترتقي إلى الأمام أن تستفيد من شبابها ومن عزائمهم، وإقبالهم على خدمة دينهم ووطنهم دونما مقابل، ولفتت إلى أن التجربة الغربية في استيعاب الشباب أثبتت انه يمكن القيام بالكثير من المشروعات الرائدة والمهمة عبر تحفيز الشباب وتحميلهم مسؤولية تنفيذ برامج معينة. ورأت أن العالم الإسلامي بعامة هو الأحق بأن يكون رائدنا في تقديم الشباب، لأن المسلم يدرك تمامًا أن الدعوة الإسلامية نُصرت بواسطة الشباب، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك قولاً صريحًا اعترف فيه بدور الشباب في نصرة الإسلام والتمكين له مؤكدة “ان الشباب في كل أمة هو عماد نهضتها وشرايينها التي تقوم عليها وهم رجال المستقبل المنتظر، فهم العاملون بما يجب عليهم من واجبات لله رب العالمين، ثم لأمتهم وبلادهم والذود عنها”. وذكرت اللعبون أنه من الضروري أن يفعّل دور الشباب بصورة أكبر، وامتدحت في هذا الصدد بعض المبادرات التي قدّمها الشباب خلال الفترات الماضية، وقالت إن هناك مجموعة تعمل الآن على دعم الأعمال الخيرية في المجتمع، فيما انصرف شباب آخرون إلى محاولة تصحيح الصورة المغلوطة عن المملكة في وسائل الإعلام، وأكدت أن هذه المبادرات دليل على أن هناك شبابًا واعيًا لدوره، ومتحمسًا لخدمة مجتمعه. حالة (التراخي) الشيخ سعود الفنيسان أكد في حديث هاتفي معه أن الوسيلة الأولى لتفعيل دور الشباب هو العمل على تخليص الكثيرين منهم من حالة (التراخي) التي يعيشون فيها، مشيرًا إلى أن ضعف اهتمام الشباب بما يدور في مجتمعه وافتقادهم للحس الاجتماعي، يعني أنهم لم يتعلموا أو يتربوا على كيفية التفاعل مع المجتمع، وأكد في هذا الصدد أن عملية الاندماج يجب أن تبدأ منذ الصغر، وأن يتعلم الشاب كيف يكون جادًا في عمله وكافة شؤون حياته بشكل عام، ورأى الفنيسان في حديثه انه بغير تفعيل دور الشباب في المساهمة في النهضة، سيفقد الوطن الكثير من القلوب المخلصة والأيادي الفتية التي كان يمكنها أن تخدم وتساهم دون أن تنتظر شيئًا، سوى الثناء والتقدير والدعم من المسؤولين. ولفت الشيخ سعود إلى أهمية قيام محاضن للشباب تعمل على توعيتهم وتقديمهم للمجتمع، وأن تكون هناك برامج مدروسة لاستيعاب الشباب حتى يتم الاستفادة من طاقتهم، وقال إن العالم الإسلامي بعامة يفتقد إلى المشروعات التي تدعم وتسند الشباب، واعتبر ذلك من قبيل “النقص الكبير”. وطالب الفنيسان الشباب بأن يحاولوا الاقتراب من مجتمعهم ويتماهوا مع مشاريعه، وأن يحاولوا توطين أنفسهم على الخير، وأن يجاهدوها في هذا المقام حتّى يؤدوا ما أوجب الله وحتى يبتعدوا عمّا حرم الله عليهم، ومن ذلك الحذر من المخدرات وسائر المسكرات، فإن شرها عظيم وفسادها كبير، فيجب البُعد عنها والحذر من مجالسة أهلها لأن المجالسة تجر إلى أخلاق الجليس. سر قوَّته من ناحيته قال المستشار الاجتماعي والداعية في الأحساء عادل بن سعد الخوفي إن الشباب في كل مجتمع بشري هم سر قوَّته، وعماد نهضته، وهم عُدَّته وعتاده، والشباب يحوزون إلى جانب ذلك أنهم ترعرعوا في ديار الحرمين الشريفين، واستقوا من معين التوحيد والدعوة، فالعالم من حولهم يرى أنهم محلَّ قدوة وأسوة. وأشار الى انه لكي يتحقق للشباب مكانته تلك؛ ينبغي أن تكون له محاضن إيجابية تُغَذِّيه بالمعتقد الصافي، والحياة الإيمانية، والمعارف والمهارات، والرؤية السليمة للكون والحياة، وتُساعده لتجاوز ما يموج حوله من شُبهات أو شهوات، مع فتح أبواب الحوار رحبة لتكون أفكاره وخطواته ثابتة واثقة. وتابع “إننا بتفعيل دور شبابنا كلٌ حسب مهاراته وإمكاناته نحقق نتائج مذهلة رائعة؛ نغرس جيلاً متميّزًا فريدًا كأمثال أسامة بن زيد -رضي الله عنه- الذي عُقد له لواء الجهاد وسِنُّه لم يتجاوز الثماني عشرة سنة -كما ذكر المؤرخون- علمًا أنه كان في هذا اللواء كثير من كبار المهاجرين والأنصار”. المنافذ المسعورة وأكد أنه من المهم أن توجد "لَبِنات منتجة تَكفي أوطاننا وأمتنا حاجتها من الصناعات والمخترعات والعلوم والمهن اللازمة لشؤون حياتهم. نُغلق المنافذ المسعورة لتغريب شبابنا، وإلهائهم بسفاسف الأمور، وتحويلهم إلى حراب مطيعة في أيدي أعداء الأمة. نبني جيلاً مؤمنًا بربه، واثقًا من نفسه، منتجًا في مجتمعه، معتزًا بانتمائه لدينه وحضارته ووطنه، مطيعًا لولاة أمره”. الشيخ الدكتور عبدالله الطريقي، يرى أن الشباب المسلم يعاني من تحديات كبيرة تحد من فاعليته في المجتمع، وأنه لا بد من “اقتلاع” هذه المشكلات التي تقف في طريقه قبل الحديث عن الكيفية التي يمكن أن يساهم بها الشباب، وذكر هنا أن الشباب لديهم فهم ملتبس عن الوطن، وأن أكثرهم لا يعرف كيف يفيد وطنه من الموقع الذي هو فيه، ورأى أن من واجب الدعاة والعاملين في الحقل الاجتماعي تبصير الشباب بمعنى الوطن، ومعنى أن تكون منتميًا إليه، وذكر الطريقي أن مفهوم الوطن والأمة يمكن أن تكون جامعة للشباب، ومحطة ينطلق منها لخدمة مجتمعه، وطالب الشباب بمحاولة النأي عن النقاشات التي قلّصت من دور السابقين لهم في خدمة الوطن، مؤكدًا هنا على أهمية الابتعاد عن القبلية، والتعصب وأن يعرف الشاب أنه ينتمي إلى أمة الإسلام، وإلى وطن واحد هو يعيش في أرضه. وأبدى تخوفه الكبير من المفهوم الخاطئ للقبلية في نفوس الشباب. ودعا إلى العمل بجدية في جانب التوعية، وفتح المنافذ لاستيعاب الطاقات.