أمنية كل مسلم موحد على هذه الأرض أن تطأ قدمه أرضًا كان يمشي عليها خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- وصحبه الكرام، وأن تكتحل عيناه بالنظر إلى بيت الله الحرام، وأن يسعد بصلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يسيح في هذه البلاد، التي شهدت تنزل الوحي من السماء. بلاد الشعائر والمناسك: ففيها المسجد الحرام والكعبة التي يصلي إليها الأنام: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)؛ بلاد القبلة والصلاة: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). بلد ذو حرمة وبيت ذو حرمة، جعلها الله حرمًا آمنًا، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يدخلها إلا محرم: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا). بلاد الرباط الروحي الذي يجمع جميع المسلمين: فما أن تذكر بلد الحرمين الشريفين إلا وتحن قلوب المسلمين وتهفو وتتوق إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة، تهفو لهما الأرواح، فتجمع الأجساد من شتى الأمصار في أداء فريضة الحج وشعيرة العمرة. بلاد مضاعفة الأجور والحسنات، فأي مكان تتضاعف فيه أجور الصلوات بألف أو بمائة ألف كما في الحرمين الشريفين؟، فيتضاعف الأجر بحرمة المكان وشرف البقعة. بلاد آمنة وادعة، أمان لمن حولها، وأمان لمن قصدها، نعمة امتن الله بها على أهلها: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا)، وحين أقسم عز وجل، قال: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ). بلاد الأرض الطاهرة ونشر المصحف الشريف، فما من أحد قصدها إلا ويغادر منها ويحمل مصحفًا شريفًا مطبوعا في مطبعة خادم الحرمين الشريفين، ينبعث منها نور السنة وهدي التوحيد ليشمل جميع أنحاء الأرض علمًا وتأصيلًا وتنويرًا وتثقيفًا. بلاد الحرمين الشريفين، بلاد الذكريات والتاريخ العريق، المنهل والرفد والأصل لجميع المسلمين، ولا أملك إلا أن ابتهل إلى الله عز وجل أن يحفظ بلادنا بلد الحرمين الشريفين «المملكة العربية السعودية»، ويحميها من كل سوء، وأن ندعوا أهلها الذين مَنَّ الله عليهم بالسكنى فيها أن يحافظوا عليها، فإن الحفاظ عليها فريضة واجبة محتمة، ويبقى على أهل الإسلام تجاهها أن يذكروا مكانتها، ومعرفة فضائلها، وخصائصها، ومناقبها، وبيان عظمتها، وما لها من عناية ورعاية من الله عز وجل، فالله عز وجل كتب لها البقاء إلى قرب قيام الساعة، بحفظه ودفاعه وعنايته ورعايته.