حتى الآن ومع الاحترام التام لكل الجهود المضنية التي تبذلها كل من مصر والسودان، أتحفظ كثيرًا على المقولة السائدة بأن إثيوبيا لا تملك الإرادة السياسية لإنهاء ملف أزمة سد النهضة! والواضح عندي وأنا شاهد عيان على الأزمة قبل بدايتها وحتى الآن أن إثيوبيا هي التي تملك إرادة سياسية كافية، وبين الحين والآخر تكررها وتعيدها ألف مرة بأنها ستمضي قدمًا في الملء الثاني! هذه واحدة، والأخرى وعلى الصعيد المصري تحديدًا، ظهر أفراد «مهمون» أو يفترض أن يكونوا كذلك، وقد انسابوا في الثرثرة على النيل، بشكل لا أستطيع وصفه! من ذلك أن يقول السفير السابق روبير إسكندر لدى إثيوبيا إن التوتر مع إثيوبيا بدأ في عصر الرئيس السادات عندما قال قبيل اتفاقية السلام مع إسرائيل: «سوف أعمل على إنشاء بئر زمزم جديد لإسرائيل في مياه النيل دعمًا لاتفاقية السلام»! ووفقًا لرواية الوزير روبير فإن منجستو، قام بإلقاء خطبة في البرلمان الإثيوبي وكسر زجاجة بها دماء، قائلا إن مصر ستلقى نفس المصير حال القيام بتحويل مياه النيل إلى إسرائيل! وبعد وصول مبارك للحكم بدأ توطيد العلاقات وعادت المياه - مياه النيل إلى مجاريها! فما الذي حدث؟! يقول السفير روبير: جاءت محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 فتم الانصراف عن القضايا الأفريقية كلها «وبالتالي ملف النيل»! من ذلك أيضًا أن يقول وزير الري السابق محمد نصر علام، إن المفاوضات التي جرت في كينشاسا ذكرته باجتماع مايو 2009 لدول حوض النيل حول اتفاقية عنتيبي، يومها انسحبت السودان، وحاولت دول المنبع مجتمعة الضغط على سيادته، للتوقيع على الاتفاقية لإعادة توزيع مياه النيل على دول الحوض، وباءت المحاولات بالفشل الذريع! لقد زاد وفاض الوزير علام، لا فض فوه، فقال: «سياسيًا، لابد لمصر أن تطرق الأبواب، وتتيح الفرصة وراء الفرصة للكبار وأصحاب الشعارات الرنانة -هكذا قال- حتى لا يلومنا أحد، ولكن بشرط، عدم تجاوز الوقت المناسب، الأجنة المناسبة، وعدم البدء بالملء الثاني»! كنت في إثيوبيا عام 1990، وفور أن علم السفير المصري بتمكني من الحصول على موعد للقاء الرئيس منجستو هيلا ماريام، دعاني للعشاء، وأجلسني مع أحد مساعديه ليشرح لي خطورة التفكير في إنشاء سدود على النيل، موصيًا بأنه تتضمن الأسئلة محورًا مهمًا عن هذه القضية، وقد كان! وفي نفس الأسبوع وفيما كنت أغادر إثيوبيا، طلب السفير المصري مقابلة عاجلة مع الرئيس منجستو، وكان التدخل الإسرائيلي في منابع النيل هو عنوان المقابلة، وفقًا لما نشرته «الأهرام»! في كل الأحوال، لينتبه كل مسؤول سابق أو حالي أو قادم، أن النيل، سيفيض يومًا ويتكلم! سيفضح كل ما جرى وكان! أقول ولله الأمر، إنه ببساطة وثقة، يقظ وواع وينتبه! يتابع ويرصد ويراقب ويشتبه! يصمت ويخزن كالجمل ويفترض، لكنه يومًا سينتفض ويعترض!