تملك دول كثيرة مصادر مائية هائلة من دون ان تستغلها. واثيوبيا احدى تلك الدول التي تتمتع بقدر كبير من مصادر المياه، اذ تنبع من أراضيها معظم الأنهار والروافد التي تشكل مياه نهر النيل. ورغم تعدد الانهار في اثيوبيا فانها لم تستغل أي كمية من مياهها، بل نجدها حتى اليوم تستخدم طرقاً تقليدية في الري، معتمدة أساساً على الري المطري. وكغيرها من دول حوض النيل الأخرى، فان الانهار التي تنبع في اثيوبيا تشاركها فيها دول أخرى تحصل على حصص متفاوتة من المياه وفق اتفاقيات. وفي الآونة الاخيرة ومع زيادة عدد السكان واتساع الرقعة الزراعية بدأت تظهر بين دول حوض النيل مشكلات تتعلق بالمياه نتيجة تضارب مصالح هذه الدول. كما بدأت عمليات تنافس بين أكثر من دولة نتيجة الرغبة في اقامة خزانات وسدود، الأمر الذي سيؤدي الى اندلاع نزاعات وصراعات ولتحويل ما ظلت تكتب عنه بعض الأقلام من حرب مياه الى حقيقة واقعة، ما لم تحرص هذه الدول على التوصل الى اتفاقات تضم كل دول حوض النيل، بما في ذلك دول المنبع، لتحدد أسس استغلال المياه المشتركة بينها بطريقة عادلة وعدم الاقدام على تصرف من شأنه الاضرار ببقية الشركاء. والمعروف ان نزاعات المياه تقع عادة بين الدول المتشاركة خصوصاً دول المنبع والمرور والمصب، اذ قد يدعي أي منها التصرف في المياه ويشمل ذلك الاستغلال والتخزين أو تحويل مجرى النهر. ولعل ذلك الادعاء وما قد ينجم عنه من تضارب في المصالح وراء التكهنات بأن حروب القرن المقبل ستكون بسبب المياه. ويزيد من احتمالات ذلك ما تؤكده الدراسات والبيانات من ان مصادر المياه في تناقص مستمر، ونضوب متزايد. ويعد حوض النيل الذي يعتبر من أطول انهار العالم 6650 كيلومتراً ويضم في حوضه تسع دول من بينها مصر والسودان واثيوبيا اكثر الاحواض المائية المرشحة لاندلاع نزاعات. النزاع الاثيوبي - المصري يعتبر النزاع الاثيوبي - المصري على مياه النيل ومحاولات الاثيوبيين تغيير مجرى النيل الأزرق شأناً قديماً جداً ربما كان بعمر النيل نفسه. ففي كتب التاريخ الاثيوبي قصص وأساطير تحكى عن محاولات الاحباش تحويل مجرى النيل، فقد حاول الملك لاليبلا أشهر ملوك أسرة زاجوي التي حكمت اثيوبيا في منتصف القرن الثالث عشر تحويل مجرى النيل كيداً للأقباط المصريين بعد ان تدهورت العلاقة بين الأسرة الحاكمة الجديدة التي اغتصبت السلطة من الأسرة السليمانية الشرعية وذلك نتيجة تلكؤ الكنيسة القبطية في مصر في الاعتراف بشرعية الملك الجديد ورفضها تعيين مطران مصري جديد للحبشة خلفاً للمطران ميخائيل. ولكن الملك لاليبلا مات قبل تنفيذ مشروعه. وفي العام 1325 اضطهد السلطان الناصر أقباط مصر فما كان من ملك الحبشة الا ان هدد بانزال المجاعة بشعب مصر وتحويل أراضيها صحاري جرداء ما لم يكف السلطان عن اضطهاد الأقباط. وفي 1837 زار محمد علي باشا حاكم مصر اقليم بن شنقول شرق السودان آنذاك - غرب اثيوبيا حالياً وأرسل قوة مع خبيرين اوروبيين الأول نمساوي هو جي روسيجر وهو جيولوجي، والثاني مهندس اسمه بروتي، رافقا الحملة ابعد من بني شنقول للقيام بدراسة عن منابع النيل. الا ان الحملة توقفت مرغمة امام جبال بني شنقول الشامخة واستولى على مشاعر أفرادها الذهول لمشاهدة تلك الكتل الجبلية العملاقة التي تحدتهم. وفي عهد الامبراطور الاثيوبي ثيودور العام 1850 قبض الامبراطور على البطريرك كرلس الرابع مبعوث سعيد باشا حاكم مصر عندما خامره الشك في نية مصر، واعتبر ان مجيء المبعوث كان بغرض التجسس على مصالح مصر في النيل وأودع المبعوث المصري في سجن محاط بالشوك. تسخين ملف المياه ومنذ عهد الامبراطور ثيودور حتى بداية ثمانينات هذا القرن لم تحدث مشكلات حول النيل بين اثيوبيا ومصر، وذلك لأن الاباطرة الاثيوبيين كان لهم من المشاكل والمشاغل ما صرفهم عن تعقب مصلحة مصر في مياه النيل. اذ ان الامبراطور يوحنا الرابع الذي خلف ثيودور لم يجد وقتاً لكثرة حروبه مع الامراء المناوئين. اما الامبراطور متليك فكان كل همه بناء امبراطورية اثيوبيا وتسيير حملاته التوسعية التي اخضع خلالها قوميات وشعوباً كثيرة لاثيوبيا. اما الامبراطور هيلا سلاسي الذي ورث من متليك امبراطورية مترامية فكان كل همه ان يظهر هذه الامبراطورية بمظهر الدولة الرائدة والقائدة لكل افريقيا. وجعل التجوال حول العالم هدفاً له. وهكذا فإنه طوال قرن كامل لم يكن للصراع على مياه النيل شأن يذكر حتى عهد الرئيس السابق مانغستو هايلي مريام الذي بدأ في عهده تسخين ملف مياه النيل نتيجة فتور في العلاقة بين اثيوبيا ومصر بسبب التأييد المصري للصومال في حربها مع اثيوبيا ودخول مصر بجانب ثوار اريتريا. وأعلن الكولونيل مانغستو عزم اثيوبيا على بناء سد كبير، وهدد بحجز المياه عن مصر. وما كان من الرئيس المصري الراحل أنور السادات الا ان أعلن ان مصر لن تتهاون في أمر النيل، وانه سوف يشعلها حرباً على النظام الاثيوبي. وانتهت تصريحات الرئيس الاثيوبي السابق الى لا شيء، اذ كانت مجرد تلويح بورقة مياه النيل. اهتمام زائد بملف النيل عكفت حكومة رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي التي جاءت بعد سقوط مانغستو منذ البداية على درس ملف النيل. وأول خطوة قامت بها في هذا الاتجاه تحويل الملف الى لجنة خاصة تشرف عليها وزارة الخارجية، بدلاً من جهاز الاستخبارات. وبدأت اللجنة الجديدة التي ضمت خبراء ومختصين محليين وأجانب اعادة ترتيب الملف، وبصفة خاصة قوانين مياه النيل وتحديد حاجة اثيوبيا الى المياه. وأقدمت، في خطوة هي الأولى من نوعها في اثيوبيا، على انشاء وزارة خاصة بالماء والري. وفي سبيل حصول اثيوبيا على معلومات موسعة عن المياه طلبت من سفاراتها في السودان ومصر متابعة الموضوعات المتعلقة بالمياه والخزانات. وفي هذا الاتجاه استطاعت اثيوبيا بمعونة جهات غربية الحصول على معلومات عن الاتفاقيات المصرية - الاسرائيلية الخاصة بالمياه، وذلك من خلال ما تحصلت عليه من بنود وملاحق اتفاقية كامب ديفيد التي تشير الى مطالبة مصر بتزويد اسرائيل شيئاً من مياه النيل. وحصلت اثيوبيا من السودان ابان "شهر العسل" في علاقاتهما على معلومات سودانية عن الجانب المصري، خصوصاً الجوانب المتعلقة باتفاقية مياه النيل لسنة 1959 بين مصر والسودان. وقالت مصادر اثيوبية في تقرير اطلعت عليه "الوسط" ان السودان سرب لاثيوبيا معلومات عن الاستراتيجية المصرية وملاحق الاتفاقيات السرية بين السودان ومصر. وابان التوتر السوداني - المصري وتحسن العلاقات السودانية - الاثيوبية العام 1993 أقنع السودان اثيوبيا بطرد مجموعة من المصريين من أراضيها كانوا يعملون في مشاريع استثمارية في اقليم بني شنقول المتاخم للحدود السودانية. وكانت الادعاءات السودانية ان للمجموعة المصرية اغراضاً استخبارية تهدف لمراقبة مياه النيل في اثيوبيا. ولكن يبدو ان المخاوف السودانية من الوجود المصري في اقليم بني شنقول المجاور كانت أمنية اساساً وليست مائية. بعد اعداد الملف الاثيوبي الخاص بمياه النيل أضحت لاثيوبيا رؤية واضحة ازاء امكان استخدام مياهها. وبعيداً عن الانظار، شكلت فريقاً محلياً واستعانت ببيوت خبرة أجنبية لدراسة امكان اقامة خزانات وسدود على المساقط المائية للاستفادة منها في أغراض الري والطاقة. وعلى الجانب الآخر سعت اثيوبيا الى ايجاد نوع من التفاهم مع السودان ومصر. على الجانب السوداني نوقش موضوع المياه من خلال اللجان الوزارية التي عقدت اجتماعات في الخرطوم وأديس أبابا منذ العام 1991. ولكن على الجانب المصري لم تجر مناقشات الا بعد 1993 اثر لقاء زيناوي مع الرئيس حسني مبارك والتوقيع على مذكرة للتفاهم في شأن المياه. وبعد أشهر من لقاء مبارك وزيناوي اندلعت أزمة "المقاولون العرب" في اقليم بني شنقول، اذ ان اثيوبيا سعت الى ابعاد النفوذ المصري من الاقليم نتيجة ضغوط اسرائيلية. وقالت شركات "المقاولون العرب" ان لاسرائيل مصالح حيوية في غرب اثيوبيا تتمثل في اقامة بعض السدود على النيل الأزرق. بعد هذه الفترة بقي الملف هادئاً حتى نيسان ابريل 1996، عندما أعلنت اثيوبيا عزمها انشاء سدين، الأول على النيل الأزرق، والثاني على نهر دابوس. وقالت انها حصلت على موافقة الجهات الممولة التي كانت تقابل الفكرة بالرفض سابقاً ما لم توافق عليها دول الحوض. وأعلنت انها غير ملزمة الحصول على موافقة أي جهة. دور اسرائيلي؟ وعبرت مصر، التي انزعجت كثيراً من الخطوة الأثيوبية، عن قلقها من خلال التركيز الاعلامي على قضية المياه والموقف الاثيوبي وذلك من خلال صحفها ومن خلال الاقلام المصرية في الصحف الاجنبية. أما الجانب الاثيوبي الذي بقي صامتاً فقد أبدى عدم ارتياحه الى التصعيد الاعلامي المصري لموضوع المياه، وفي المقابل اتهمت مصادر اثيوبية رفيعة في حديث ل "الوسط" مصر باستغلال ثقلها الاعلامي للاساءة الى اثيوبيا رغم ان الاخيرة ليست طرفاً في أي اتفاقات خاصة بمياه النيل ورغم انها الدولة الوحيدة على حوض النيل التي لا ترتبط بأي اتفاق مع دولة بخصوص المياه. وأوضح المصدر الاثيوبي عدم صحة المزاعم المصرية بوجود دور اسرائيلي في المشروعات المائية التي تنوي اثيوبيا اقامتها. وقال: منذ عقود ونحن نسمع مثل هذه المزاعم التي تقول ان خبراء اسرائيليين يشرفون على بناء سدود في اثيوبيا، وكلها مزاعم تهدف فقط لابعاد اثيوبيا عن العرب. ولكن اذا صح الاتهام فيجب ان يوجه الى مصر التي تعاملت مع اسرائيل في شأن مياه النيل بتوقيعها اتفاقات مع اسرائيل لمدها بمياه النيل عبر البحر الاحمر وسيناء الى قطاع غزة وغيرها. وهذا الكلام ليس سراً، اذ اورده الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في كتاب أصدره اخيراً عن القنوات السرية للاتصالات بين مصر واسرائيل. وأضاف ان مصر "تريد فقط الأخذ من دون عطاء. فهي الدولة الوحيدة المستفيدة بدرجة أساسية من مياه النيل وفي الوقت نفسه ترفض ان تقيم أي دولة اخرى مشروعاً على النيل". هدوء ديبلوماسي... استطلعت "الوسط" آراء عدد من المسؤولين الاثيوبيين والمصريين عما يُثار اعلامياً ومدى تطور هذه الازمة، واحتمال ان تتحول الحملات الاعلامية المتبادلة من تراشق الى تصعيد أشد خطورة. ولم يخرج الحديث الرسمي لمسؤولي البلدين من اطار التعبير الديبلوماسي المنمق الهادف بنفي أي خلاف. قال الدكتور نجاسو جيداده رئيس جمهورية اثيوبيا ل "الوسط": ان النيل منذ آلاف السنين عامل ربط بين شعوب المنطقة، وان الخلافات بين شعوب تلك المنطقة مجرد إرث استعماري وليس للنيل ومياهه دور فيها كما تدعي بعض الأقلام. وأضاف: ان علاقات تلك الشعوب والدول مترابطة وأي توتر بين أي من اطرافها يؤثر على الاخرين سياسياً وبيئياً. ولعل ما حدث في رواندا قبل فترة اثار مخاوف في كل دول حوض النيل من امكان التضرر البيئي. ونفى الرئيس الاثيوبي وجود أي خلاف مع مصر في شأن المياه، موضحاً ان مذكرة التفاهم الموقعة بين الدولتين في شأن المياه تشرح أسس التفاهم بهذا الخصوص. وقال رئيس الوزراء الاثيوبي زيناوي رداً على سؤال "الوسط" عن مخاوف عربية مما يتردد من تحالف اثيوبي - اسرائيلي يستهدف الامن المائي العربي، "ان مثل هذه التحالفات المزعومة التي تروج لها بعض الجهات ربما كانت سائدة خلال الانظمة السابقة، لكننا حالياً نسعى الى استقرار منطقتنا والعيش في سلام مع جيراننا بعيداً عن تلك التحالفات. وهدفنا من أي مشاريع مائية نقيمها في أراضينا تحسين الوضع الاقتصادي لشعبنا والاستفادة من الامكانات التي تتمتع بها بلادنا لانجاح السياسات التنموية، وما تربطنا بالمنطقة العربية مصالح حيوية ولذلك لا يمكن ان نتحالف مع اسرائيل، وننشئ بالتعاون معها مشاريع من شأنها الاضرار بالعرب. ولا يمكن ان نتحالف مع العرب ضد اسرائيل لاننا لا نميل لسياسة الأحلاف أو الاضرار بمصالح الاخرين وأؤكد اننا لن نكون أداة لزعزعة الاستقرار في أي بقعة. مواجهة مستبعدة واستبعد نامرات لايني نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الاثيوبي السابق، رداً على سؤال ل "الوسط"، احتمال حدوث مواجهة بين اثيوبيا ومصر بسبب مياه النيل أو اندلاع حرب مياه بين دول حوض النهر. وقال انه يعتقد ان هذه التكهنات غير صائبة، لأن دول حوض النيل لا توجد بينها خلافات مائية تصل درجة المواجهة. وأضاف: ان اثيوبيا عقدت اتفاقات عدة مع دول حوض النيل، خصوصاً السودان، للاستفادة من مياه النيل الأزرق مع الاحتفاظ لمصر بحقوقها. وأوضح انها توصلت الى مذكرة تفاهم مع مصر تتضمن نقاطاً أساسية أهمها: - ان النيل الأزرق يخص كلاً من اثيوبيا والسودان ومصر. - ان لاثيوبيا حق استخدام المياه مثل ما لمصر والسودان. - استخدام مياه النيل الأزرق بالدرجة التي لا تضر الاطراف الاخرى. وأشار الى ان احالة ملف المياه الى وزارة خاصة، بدلاً من جهاز الاستخبارات التابع لوزارة الدفاع أملتها ضرورات المرحلة التي تقتضي استحداث وزارة للمياه والري "ولأننا نريد ان نتجه نحو التنمية، لا ان تكون المياه مرفقاً عسكرياً. كما ان استحداث وزارة للري والمياه سيُكسب المشاريع المائية المرونة المطلوبة". وقال سيوم مسفين وزير الخارجية الاثيوبي ل "الوسط" ان استحداث هذه الوزارة نجم عن متطلبات داخلية "لأن اثيوبيا تملك ثروة مائية ضخمة لا تقتصر على الانهار الكبيرة التي تربطنا بدول الحوض بل هنالك مجموعة انهار داخلية اخرى تربو على 14 نهراً، اضافة الى احتياط كبير من المياه الجوفية ولكن رغم كل ذلك تتعرض اثيوبيا بصفة متكررة لفترات الجفاف التي تخلق طوفانات اللاجئين والنازحين وما يترتب عن ذلك، من طلب مساعدات واغاثات. وهذه الصورة المعكوسة، مجاعة واغاثة في بلد يفترض فيه ان يكون بلد الوفرة، ناتجة عن سوء استغلال أنظمة الحكم السابقة هذه الثروات الطبيعية العظيمة لذلك رأينا ان من أولويات سياساتنا الاتجاه نحو الأرض والاهتمام بثرواتنا المائية والاستفادة من المياه المهدرة التي تنبع من اثيوبيا وتأخذ طريقها للخارج، في حين لا يملك الشعب الاثيوبي الا ان يتفرج. لكن قطعاً ليست لدينا أي سياسات اخرى أو نيات استحواذية. وحرصت "الوسط" على معرفة وجهة نظر جامعة الدول العربية في قضية مياه النيل، خصوصاً ان الجامعة العربية أعلنت ان الأمن المائي يتصدر اهتماماتها. وأكد الامين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد ل "الوسط" "ان الأمن المائي أمن قومي لا بد من حمايته، وان الجامعة العربية حريصة جداً على الأمن المائي وتضعه ضمن اولوياتها". وقال ان الجامعة العربية تسعى الى تثبيت قواعد وقوانين دولية تتعلق باستخدام المياه، وتعتبر اتفاقية هلسنكي للعام 1966 التي تنظم قواعد القانون الدولي لاستخدامات المياه أساساً لذلك. وأوضح عبدالمجيد ان الجامعة العربية مع حل الخلافات بالوسائل السلمية ووفقاً للقانون بما في ذلك حل مشكلات المياه. وقال ان الجامعة تسعى الى جعل المياه مصدر ترابط بين الشعوب. وأكد انه مقتنع بأنه لن تندلع أي حرب بسبب المياه في المنطقة. التنمية المتكافئة والاستقرار وقال الدكتور أسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية والوكيل الأول لوزارة الخارجية المصرية ل "الوسط" عن امكان اندلاع نزاع بين اثيوبيا ومصر حول النيل: "في افريقيا لا يمكن ان تحدث نزاعات على المياه، لأننا نتبادل وجهات النظر بيننا حول التعاون فيما بيننا، خصوصاً ما يتعلق بمسائل المياه، ونتبادل الخبرات في مصادر الطاقة وسبل استغلالها. وان الجزء الاكبر من المياه التي تصل الى مصر تأتي من اثيوبيا، والمهم احداث تنمية متكافئة وشاملة في اثيوبيا لأن ذلك يضمن لنا ولاثيوبيا الاستقرار". وقال الباز ان مصر لا تعتبر نفسها في نزاع مع اثيوبيا بسبب بناء الاخيرة سداً على أرضها، لأن اثيوبيا عندما تقيم سدوداً فيمكن ان تساهم مصر في بنائها، باعتبار ان أي تنمية في حوض النيل تمثل ضماناً لاستقرار المنطقة. وتحدث المهندس محمد ناصر رئيس الهيئة المصرية العليا لمياه النيل الى "الوسط" عن القضية نفسها، فقال: "نحن نؤمن بأن لكل دولة على حوض النيل الحق في الاستفادة من نصيبها من المياه، وهذا هو أساس السياسة المصرية في التعامل مع دول حوض النيل. أما بالنسبة الى اثيوبيا فلم يكن بيننا في السابق تعاون مباشر في شأن مسألة النيل، ولكن في تموز يوليو 1993 وقع الرئيس حسني مبارك مذكرة تفاهم، في هذا المجال مع الرئيس الاثيوبي آنذاك ملس زيناوي وكان ذلك بداية تحول جديد لفتح الطريق أمام التقنيين في البلدين للبحث في طرق الاستفادة من مياه النيل، وشملت المذكرة الاستفادة من مياه النيل الضائعة. وفي ما يتعلق بالطاقة الكهربائية الموجودة في اثيوبيا نتيجة تعدد المساقط المائية، تم التفاهم على الاستفادة من ذلك ببناء شبكة بين اثيوبيا والسودان ومصر وربما دول الشرق الأوسط وأوروبا. وسألت "الوسط" المسؤول المصري عن اتفاقية العام 1959 بين مصر والسودان وما يقال ان السودان ابدى تململاً من الاتفاقية، قال ان الاتفاقية تتلخص في شقين: الأول توزيع المياه بين الطرفين، وحددت الكميات في ذلك الوقت ب 48 متراً مكعباً وكانت الكمية التي يستخدمها السودان 4 بلايين فقط، وبعد ذلك، درس الجانبان امكان بناء السد العالي لتقليل الفاقد من مياه النيل على أساس ان 32 بليون متر مكعب من المياه تضيع، على ان يُعطي من تلك الحصة بعد اقامة السد ما مقداره 5.18 بليون متر مكعب لمصر و5.7 بليون للسودان وبذلك ارتفعت الحصة المصرية من مياه النيل الى 5.55 بليون متر ليصبح نصيب السودان 18 بليوناً. وأكد ناصر عدم امكان انشاء خزان جديد في مصر بعد السد العالي. أما بالنسبة الى السياسة المصرية مع دول حوض النيل فقد أكد "ان مصر تتحرك في هذا الاطار في محورين، الأول: مع دول حوض النيل، وذلك من خلال اللقاءات الدورية التي تعقد لدول الحوض لكن اثيوبيا تحضر هذه اللقاءات بصفة مراقب فقط وليس عضواً. وتقدمت اثيوبيا لدول الحوض بعدد من المطالب التي استجبنا لها. أما المحور الثاني للتحرك المصري فهو للتحرك الثنائي مع اثيوبيا، وكما ذكرت ان لقاءات تمت بين الجانبين وان اللجان الفنية للجانبين احتجت مرات عدة". ونفى ناصر ما يتردد عن وجود اتفاقية مصرية - اسرائيلية لتزويد الاخيرة مياه النيل، مؤكداً ان مياه النيل ملك لدول الحوض فقط، وأشار الى التصور المصري لانشاء مشاريع تنموية مشتركة بين دول الحوض. وقال ان ثمة خطة لاستغلال دول الحوض للمياه بأقامة مشاريع ضخمة. وأكد ان المطلوب يتمثل في قيام دول حوض النيل بخطط وطنية حسب كل دولة ولكنه أوضح انه يمكن جمع تلك الخطط القومية لكل الدول المعنية حتى تتبنى دول الحوض ما تراه مناسباً من المشاريع الطموحة. وأبدى المهندس محمد ناصر اسفه لأن بعض الدول المشاركة ليست لديها خطط قومية واضحة ولا تعرف ما تفعله بالمياه أو كيف تتصرف مع هذه الطاقة المهدرة. وقال ان مصر تبحث في سبل مساعدة الدول التي لم تضع خططها. وفي ختام حديثه أكد ان الفنيين لو تركوا للعمل بعيداً عن الاضواء الاعلامية والضغوط السياسية فسينجزون مشاريع طموحة. وأكد ضرورة ان تكون مسألة مياه النيل عملاً فنياً لا يستغل من قبل الحكومات لاغراض سياسية الحاجة الى المياه واستخداماتها في مصر والسودان مصر تقدر حاجة مصر الى المياه بحوالى 57 كيلومتراً مكعباً سنوياً، ولكن المصادر الداخلية المتوافرة على أراضيها تبلغ 6.2 كيلومتر مكعب سنوياً بينما تحصل مصر على حصة قدرها 5.55 كيلومتر مكعب من مياه النيل وبذلك يبلغ اجمالي موارد مصر من المياه 1.58 كيلومتر مكعب سنوياً تستغلها بنسبة 98 في المئة. وهي أشد دول حوض النيل حاجة الى النيل، اذ تعتمد على مياهه اعتماداً كلياً لاستخدامات الزراعة والصناعة والاغراض المنزلية. واذا نظرنا الى موارد مصر من المياه واستهلاكها فإننا نجد ان مصادرها الداخلية لا تلبي سوى 5 في المئة من حاجاتها، لكنها تحصل على 95 في المئة من النيل لذلك فإن اي نقص من كمية المياه التي ترد من النيل سيؤثر سلباً على انتاجها الزراعي والصناعي، ولذلك فان مصر غير مستعدة للتفريط في أي كمية من مياه النيل. السودان يتوافر للسودان نحو 30 كيلومتراً مكعباً من المياه من مصادره الداخلية ويرد اليه حوالى 100 كيلومتر مكعب من المياه من خلال النيل الازرق والنيل الابيض وغيرهما. ويحصل السودان من تلك المياه على حصة قدرها 5.43 كيلومتر مكعب سنوياً ويتجه الباقي نحو مصر، وبذلك تقدر كمية المياه المتاحة للسودان سنوياً بنحو 5.73 كيلومتر مكعب يستهلك منها ما نسبته 37 في المئة أي 3.27 كيلومتر مكعب سنوياً.