تخفق القلوب شوقاً كلما تراءت صورة الكعبة المشرفة على شاشة تلفزيون أو حتى شاشات الأجهزة الذكية، هذا حالنا، وربما حال كل المسلمين في كل بقعة على الكرة الأرضية. نحن هنا في المملكة العربية السعودية، قد أكرمنا الله بجوار بيته الحرام، وسهولة الوصول إليه في أي وقت قبل جائحة كورونا. عندما يهفو بنا الشوق إلى بيت الله الحرام، ونهفو إلى الصلاة في الرواق، والطواف حول الكعبة المشرفة، كنا نسرع بلهفة الشوق، وفرحة المشتاق، ورغبة العابد التائب إلى بيت الله الحرام، نغتسل بالروحانية الفريدة التي نستشعر حلاوتها ونحن نخطو خطواتنا الأولى على الرخام المصقول، نمد أبصارنا، تكتحل أعيننا بالمنظر المهيب للكعبة المشرفة وجموع الطائفين حولها، لذلك عصف بنا الشوق، ونحن نتابع المعتمرين، يطوفون حول الكعبة المشرفة بذلك التنظيم، والحفاظ على التباعد حرصاً على سلامتهم. ربما تابع الكثيرون حول العالم، تلك اللحظات الفارقة في حياة من أكرمهم الله بأداء العمرة في بيت الله الحرام، وحياة المسلمين، بعد إغلاق دام أشهرٍاً عدة بسبب فيروس كورونا؛ لأنها مؤشر على عودة الحياة إلى طبيعتها، والبداية دائماً من هنا، من مكةالمكرمة، من أرض الحرمين، (إن أولَ بيتٍ وُضع للناس لَلذي ببكة مباركاً وهُدىً للعالمين) 96 آل عمران، تلك اللحظات تتواشج مع لحظات تاريخية وإيمانية موغلة في القدم، فتدرك حكمة الله تعالى وقدرته ومشيئته، سواء فيما أصابنا بفعل هذه الجائحة، أو في هذه المعاني الروحانية، وهذه الوقفات الإيمانية التي نقفها ونحن نشاهد بيت الله الحرام وهو كما هو منذ البدء، مضيئاً متلألئاً بأنوار الهيبة والجلالة. بين إغلاق بيت الله الحرام وفتحه يتجسد حرص ولاة الأمر على صحة وسلامة المواطنين والمعتمرين، وضيوف بيت الله الحرام، من تابع تلك المشاهد البديعة لتنظيم الطائفين حول الكعبة المشرفة، ربما تساءل عن الفكر التنظيمي الذي أعد لكل شيء عدته قبل الإقدام على هذا الإجراء الذي انتظره العالم!. لم تكن المشاهد كافية للبوح عن الجهود التي بُذلت لتمكين المعتمرين من أداء مناسكهم في يسر وسهولة مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية بدقة، وأصبح بإمكان الراغبين إطفاء جذوة الشوق عن طريق التطبيق الذي وضعته الجهات المسؤولة، لتسهيل عملية تحديد الأعداد وتسهيل وصولها إلى بيت الله الحرام، وتسهيل أدائها مناسك العمرة، من طواف وسعي، وتمكينها من الصلاة في بيت الله الحرام بأمان من خطر العدوى. 4 أكتوبر، يعتمر المواطن والمقيم من داخل الوطن، بمعدل 6000 آلاف معتمر في اليوم، وبعد شهر، سيتمكن الراغبون من خارج المملكة من دخول بيت الله الحرام لأداء العمرة. ربما لا يعرف من بهرته المشاهد على الشاشة أن عملية غسل المسجد الحرام تتم «10» مرات في اليوم، و» 1000» موظف يقومون بمتابعة وتيسير أداء مناسك العمرة على المعتمرين على مدى اليوم، كذلك عمليات التعقيم للسجاد على مدار الساعة، وتعقيم أحواض نوافير ماء زمزم، والعربات، كذلك تركيب أجهزة تعقيم للسلالم الكهربائية، وأجهزة تعقيم للأيدي بمداخل المسجد الحرام، وتعقيم أجهزة التكييف بالأشعة فوق البنفسجية، وتنظيف فلاتر الهواء، «9»، مرات يومياً، تطهير وتطييب المسجد الحرام وأروقته على مدار الساعة. من أنصت إلى بعض المراسلين في القنوات الإخبارية الذين كانوا يتحدثون من داخل بيت الله الحرام وينقلون الصورة للمشاهد، ربما أذهله حجم التفاصيل الصغيرة والإجراءات الكثيرة التي تمت العناية بها وتوفير أعلى درجات الاهتمام بأدق تفاصيلها. هي هذه قوة المملكة وقدرتها على إدارة الحشود حتى في زمن الوباء الذي أعجز العالم عن احتوائه ومواجهته أو مقاومته، تمكنت المملكة العربية السعودية من مواجهته بالإجراءات الاحترازية العديدة التي اتخذتها تباعاً منذ بداية ظهوره حتى هذه اللحظات وهي تستقبل المعتمرين في بيت الله الحرام، ليعلم العالم أن البداية دائماً من هنا.. من أرض الحرمين الشريفين.