رغماً عن ما تسببه أزمة كورونا الحاليه من مآسٍ إنسانية وانهيار اقتصادي فإن (الحرب الأهلية) القائمة في أميركا منذ ظهور دونالد ترمب على مسرح الرئاسة الأميركية لم تتوقف بل اشتدت حدَّتها وأحد مظاهرها امتناع محطة السي إن إن عن بث المؤتمر الصحفي اليومي للرئيس الأميركي وفريقه من الخبراء عن جائحة كورونا بحجة أنه يمثل دعاية انتخابية للمعركة الرئاسية المتوقعة بنهاية هذا العام ، وقيام إدارة ترمب بمنع الخبراء عن الظهور على شاشة هذه القناة. إلا أن هذه الحرب الإعلامية القائمة ضد ومع دونالد ترمب هي استمرار لصراع قائم داخل أميركا وفي أوربا يدور حول الشكل القادم للعالم واعتقاد بعض صناع القرار في الغرب بعدم قدرة النظام العالمي الليبرالي القائم على الصمود أمام الصعود القوي للصين في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والعسكرية والسياسية، وبالتالي فإن المطلوب تغيير النظام الليبرالي وإحلال نظام جديد محله يتميز بالمحافظة والتقليل من الحريات التي تتيح تحطيم القيم وتفكيك المجتمعات، حسبما يراه المنتقدون لهذا النظام. أزمة كورونا أدت الى انهيار الاقتصاد العالمي وبالتالي سقوط النظام الليبرالي العالمي ودفعت للتعجيل بتنفيذ ما يسعى إليه المتصارعون داخل أميركا وما يجري الآن هو إما محاولة لترميمه أو إحلال نظام بديل له. وفي الحالتين فإن الأمر سيتطلب اتفاقاً فيما بين القوتين الكبيرتين الصين وأميركا الى جانب قوى أخرى، مشابهاً للاتفاق الذي تم بعد الحرب العالمية الثانية وأدى لإنشاء المنظمات المتعددة التي تراها أميركا ترمب في الوقت الحاضر إما معادية لها أو غير مناسبة لأهدافها. وسيكون من المهم تحديد من سيتولى قيادة أميركا، الجمهوريون المحافظون أم الديموقراطيون الليبراليون، وما سينتج فيما بعد سيكون له تأثير واسع على دول وشعوب العالم. والحملة التي شنها الرئيس الأميركي ضد منظمة الصحة العالمية هي جزء من الحملة التي يواصلها فريق البيت الأبيض الحالي ضد النظام الليبرالي العالمي وسعيه لنسف ما أنتجه هذا النظام، فمنظمة الصحة العالمية هي واحدة من عدة وكالات أنشأتها الأممالمتحدة عام 1948. وبالفعل كان تصرفها في بداية الأزمة ضعيفاً، وواصل مديرها العام تيدروس غيبريسوس، الأثيوبي الأصل، القول بأنه لا يوجد داعٍ لإعلان الفيروس وباءً عالمياً حتى الأسبوع الأول من شهر فبراير، ورُفعت عريضة وقعها حتى الآن حوالي مليون شخص تطالب بإسقاطه. وتمكنت إدارة ترمب من إدخال تعديلات داخل أميركا ستؤدي الى تغيير مستقبلي في البلاد وعيَّن دونالد ترمب خلال ثلاث سنوات عدداً من القضاة الفيدراليين يشغلون وظائفهم مدى الحياة، أكثر مما تمكن الرئيس الذي سبقه، أوباما، من تعيينهم خلال ثماني سنوات من رئاسته. ومن بين ما قامت به إدارة ترمب سن أنظمة تحد من الإجهاض ومن الحريات المعطاة للمدرسين لتعليم الجنس لأطفال المدارس الإبتدائية وعدم المضي في تطوير ما قامت به إدإرة أوباما من إتاحة الفرص لثقافة المثليين والشواذ وزواجهم. بالإضافة الى قيامه بعمل تغييرات في السياسة الخارجية والاقتصاد والقضاء والمناخ. وتصاعدت شكواه من أن منظمة التجارة العالمية وضعت قواعد منحت الصين فرصاً كبيرة للنمو والتوسع على حساب الاقتصاد الأميركي. أزمة كورونا أدت الى انهيار الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم وأضعفت من البنية السياسية في دول عديدة، وآثارها ستكون كارثية إن لم يقم تكتل عالمي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ونتائج هذه الأزمة شابهت ما ينتج من قيام حرب عالمية شاملة، وإن كان الذي شن الحرب هذه المره فيروس. وسيكون لأميركا الى جانب الصين دور رئيسي وهام لما سيتم، ولذا نجد الحزبين السياسيين الرئيسيين في أميركا يتنافسان بقوة حول صلاحية كل منهما لإدارة أميركا . وسيكون الرئيس الأميركي القادم من أكثر الرؤساء أهمية في تاريخ أميركا والعالم، وسيتولى إدارة البلاد لما بعد حرب كورونا العالمية والمساهمة في إعادة بناء العالم. والنموذجان الحاليان للرئاسة الأميركية هما دونالد ترمب وسياسات إدارته المحافظة بحسناتها وعيوبها في الجانب الجمهوري، وجو بادين في الجانب الديموقراطي والذي يتوقع أن تكرر إدارته سياسات ليبرالية انتهجتها إدارة أوباما سابقاً. وأما الصين فلا تغيير في قيادتها.