كان الناس يسمعون عن كثير من الأمراض، ولكنهم لا يصابون بالهلع والخوف، كما يحدث هذه الأيام على مستوى العالم. عندما ظهر فيروس كورونا «COVID-19»، اهتز العالم كله خوفا وهلعا من هذا الفيروس الذي لا يُرى إلا بالميكروسكوب. إن كثيرا من العلماء المختصين والمحللين والمراقبين على طول وعرض قارات العالم، يحاولون أن يصلوا إلى معرفة كيف ظهر الفيروس وما علاجه؟! ففي المجال السياسي والاقتصادي، لاحظ المراقبون الهلع والارتباك والخوف الشديد الذي ظهر على أقطاب ساسة العالم في السياسة والاقتصاد، ولاحظ المتابعون الاتهامات الضمنية والعلنية المتبادلة بين الصينوأمريكا. فمن قائل إن أمريكا هي التي أنتجته وأرسلته إلى الصين كجزء من الحرب البيولوجية، لتدمير الصين سياسيا واقتصاديا، ولمنعها من التفوق على أمريكا، وإيقاف وصولها إلى مركز القوة العظمى الوحيدة، وبالتالي إدارة العالم بالسيطرة على النظام العالمي الجديد. وهناك باحثون فرنسيون أثبتوا بالوثائق وبراءات الاختراع المسجلة التي عرضوها، أن الفيروس أُنْتِج في أوروبا، وأن معهد باستير الفرنسي له علاقة بالموضوع، بينما يظهر رأي آخر تحدث به الكاتب الأمريكي الشهير «DeaN ROONTZ» عام 1981 في كتابه المسمى «The Eyes of DarKness» «عيون الظلام»، إذ قال في كتابه «إنه في سنة - 2020» أمريكا ستنتج فيروسًا يقتل عددا كبيرا من الناس، وسينطلق هذا الفيروس من مقاطعة يوهان بالصين، وهذا ما حدث بالفعل، وذكر الكاتب أن الهدف هو ضرب اقتصاد الصين، وتقليل عدد سكانها. وهناك رأي آخر، يتهم الدول الكبرى بإيجاد هذا الفيروس، لقتل أكبر عدد من سكان الأرض، خاصة كبار السن ذوي المناعة الضعيفة للتخلص منهم بالدرجة الأولى، لتخفيف أعباء السكان غير المفيدين في نظر المخططين من هذه الدول، ويعززون هذا الاحتمال بموقف رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» الذي لم يكن يريد مكافحة المرض، لولا ضغوط شعبه ومنظمة الصحة الدولية. ويقول رأي فريق آخر، إنها مؤامرة تستهدف شعوب دول العالم الثالث لتترنح ثم تنهار، ويتم الاستيلاء على ثروات شعوبها لمصلحة شعوب الدول الكبرى، ولكن انقلب السحر على الساحر، وهرب -كما تقول إحدى الروايات- أحد الخفافيش التي تطبق عليها التجارب في يوهان، وانتشر المرض في الصين، ومنها انتقل عن طريق المسافرين إلى دول العالم. يقول المحللون، إن من نتائج فيروس كورونا في المجال الاجتماعي والإنساني، أنه أعاد البشرية إلى التجمع حول تراثها الإنساني والديني، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو الشعبي والأممي، ولم يعد للخلافات والاختلافات السياسية معنى بين الشعوب التي تبحث عن طوق النجاة. أما من الناحية العسكرية، فقد اكتشف العالم أنه لم يعد هناك معنى للقوة العسكرية التقليدية أو النووية أو التكنولوجية والفضائية، أو غيرها، لأن معارك حرب كورونا والخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المترتبة عليها، تؤكد أن العالم سيتغير وأن الحروب القادمة ليست تقليدية ولا نووية، بل ستكون حروب إبادة فيروسية، مدافعها وطائراتها ذئاب مصابة ومنفردة، وأغذية وسلع وأدوات مجرثمة لإبادة الشعوب. إن من حق شعوب العالم أن تتساءل: لماذا فشلت الدول والمنظمات والهيئات الدولية في السيطرة على وباء كورونا الجديد؟! لتأتي الإجابة: إن من يقود العالم منذُ خمسينات القرن الماضي، نوعان من الفكر: الأول: الفكر العلماني الليبرالي الذي تقوده الرأسمالية الغربية، التي تسحق الجماعة وتعظم الفرد. والثاني: الفكر الإلحادي الشيوعي الاشتراكي، الذي يسحق الفرد ويعلي شأن الجماعة، والذي كانت تقوده الصين والاتحاد السوفيتي قبل انهياره. هذان المعسكران رَسَما أطراً سياسية خرجت من عباءتها سياسات اقتصادية وعسكرية واجتماعية وإعلامية فاشلة، أظهر عوراتها وضعفها فيروس كورونا الجديد في الزمن الحالي. إن عالم اليوم الذي تقوده سياسات الليبراليين الجدد، واليهود الماسونيين، والمسيحيين المتصهينين، قد ركز بفكره الليبرالي بعد خلو الساحة له بسقوط المعسكر الاشتراكي، وقبول الصين تغيير ردائها الاشتراكي، ركّز على نظرية تخلي الدول عن بناء وتشغيل الخدمات الاجتماعية للشعوب، فكانت أفكارهم وسياساتهم المنبثقة من عقيدة سياسية واقتصادية، نفّذوها منذُ الثلث الأخير من القرن الماضي، تعتمد على نقل غالب الخدمات الاجتماعية العامة -منها الصحية- إلى القطاع الخاص. لقد نفّذ الفكر الليبرالي سياسات كارثية إقصائية، حذفت خدمة المجتمعات من قائمة أولويات واجبات الدول، عندما سلّمت مهام وواجبات الدولة للقطاع الخاص، الممثل للمصالح الرأسمالية الليبرالية. أما القطاعات الخاصة، فقد حكمتها شعارات الربح وشبح الخسارة، وفساد الإدارة والمنافسة، وتهميش وتجاهل المشردين والفقراء والمستضعفين، الذين لا يستطيعون دفع رسوم العلاج. لقد ركّز غالب الدول الليبرالية على مفاهيم الكسب المادي، والحصول على الأموال لإنفاقها على مدى 50 عاما على التسلح والسياحة ومصالح ومشاريع الشركات الخاصة بأرباب الليبرالية الرأسمالية، ولم تُنفق على تطوير خدمات المجتمع مثل تطوير المستشفيات ومخرجاتها وزيادة أعدادها وكوادرها المؤهلة، ومنشآت التعليم ومخرجاته ومصانع الإنتاج الطبي، والبحوث والمختبرات الطبية وغيرها، مما يحقق حماية المجتمع من الأمراض، ولهذا كانت نتائج مواجهات هذه الدول لهجوم فيروس «COVID - 19» فاشلة ومحبطة لشعوب الأرض، التي اعتقدت أن دول النهج الرأسمالي الليبرالي لديها قدرات علمية لمعالجة أي طارئ صحي يهدد المجتمعات الإنسانية، فثبت النقيض وهو أن الأنظمة والمؤسسات الصحية العامة، المهملة والمهمشة، مصابة بالعجز والتخبط وعدم المصداقية، وتعمل بقوى عاملة متراخية وغير مؤهلة ومحدودة العدد والقدرات، وهذا ما جعل المؤسسات الطبية الخاصة التي سلّمها النظام الرأسماليبرالي المتعولم مهام الدولة الاجتماعية، ومنها الصحية، تقف موقف الفاشل المتفرج العاجز. لقد كان أغنى الأغنياء أصحاب الثروات الطائلة في أمريكا وأوروبا، الذين استولوا على ثروات شعوب العالم، والمالكين -وفقاً لنظام العولمة- للشركات العابرة للقارات وغيرها، هم الذين دعموا مبدأ تخلي الدولة الرأسمالية العلمانية الليبرالية عن الخدمات الاجتماعية للشعوب وتسليمها للقطاع الخاص، ولم يسهموا في حماية ودعم ومساعدة المجتمعات الفقيرة لوقف زحف هذا الوباء. كل ما فعلوه أنهم -كعادتهم- تركوا الفقراء يواجهون مصيرهم مع هذا الوباء المخيف، وتقوقعوا في بروجهم العاجية، لأنه لا هَمّ لهم إلا جمع مليارات الدولارات لهم ولخاصتهم. لقد فشل العالم في السيطرة على فيروس ضعيف ليس له صفة البقاء، فما الذي سيفعله العالم الذي يعتمد العقيدة الليبرالية عندما يواجه في المستقبل الكوارث المختلفة التي ستؤدي إلى انهيار المجتمعات، وعودة من بقي منها إلى قانون الغاب والحياة البدائية بسبب عقيدة الليبراليين الفاشلة في كل المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وغيرها. إن على العالم أن يصحح مسار ومنطلقات العقيدة الفكرية الليبرالية، والسياسات الناتجة عنها في المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، فهي مفروضة على العالم تحت شعارات الأيديولوجية النيوليبرالية الرأسمالية المتعولمة، إن العودة إلى دولة الرعاية الاجتماعية التي طبقت، مسؤولية الدولة في القيام بالخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم والسكن والعمل وغيرها، هي مطلب شعوب العالم الضحية التي لاحظت نجاح ما تبقى من الدول التي تقوم على رعاية شعوبها في كل المجالات، منها السعودية وبعض دول الخليج. إن الأنظمة التي تدّعي -كذبا- الديمقراطية المطبقة حاليا لا تهتم بمبادئ العدالة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام وغيرها، مما يستوجب إعادة النظر فيما تدّعيه بإدارة حوار عالمي ليتم أخذ ما هو مفيد من العقائد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى. يقول المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية الأسبق «لاتلعنوا كورونا». نعم، لا تلعنوا كورونا، فقد أعاد هذا الوباء الفتاك البشرية كلها إلى إنسانيتها، إلى آدميتها، إلى خالقها، إلى أخلاقها، بل وخفّض نسبة الفوائد الربوية، أيضا يكفيه فخرا أنه جمع العوائل ثانية في بيوتها، بعد طول تفرق وفراق. يكفيه فخرا أنه علّم البشرية كيف تعطس، كيف تسعل، كيف تتثاءب، كما علمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل 1441 عاما. يكفيه أنه حوّل ثلث الإنفاق العسكري حول العالم إلى المجالات الصحية، بدلا من العسكرية. يكفيه أنه قلل إلى أدنى مستوى معروف من سموم المصانع التي لوّثت أجواء الأرض، قتلت غاباتها، لوثت بحارها ومحيطاتها، أذابت جليد قطبيها، غيّرت مناخها، وسّعت ثقب الأوزون في سمائها، وأماتت الأحياء حول الكرة الأرضية وأصابتها بمقتل. يكفيه أنه أعاد البشرية إلى عبادته بدلا من عبادة التكنولوجيا التي صارت لمعظم البشرية ربّا من دون رب الأرباب. اليوم فقط، أدركت -عمليا- كيف يمكن للبلاء الرباني -وبأضعف جندي من جنده- أن يكون خيرا للبشرية لا شرا لها. فلا تلعنوا كورونا لأن البشرية بعده لن تكون كما كانت قبله إطلاقا. إن عالم ما بعد فيروس كورونا الجديد لن يكون مثل عالم ما قبله. العالم سيتغير، وسيولد نظام عالمي جديد، وقطب عالمي واحد وجديد. وعلى العرب أن يغتنموا الفرصة ليكون لهم مكان تحت الشمس. لواء ركن متقاعد قائد حرب درع الجنوب ضد الحوثيين عام 2009