من يعتقد أن «الصداقة» لوحدها كافية في تعزيز العلاقات بين الدول فهو «واهم».. فالصداقة لا تمثل شيئاً بالنسبة للمصالح، فالمصالح هي البوصلة التي توجه السياسات، فعندما نضع البوصلة فوق الطاولة لنرى أين تتجه عقاربها فإن علينا أن نأخذ بتوجيهها لنا مثل بالضبط عندما نستخدم البوصلة لتحديد القبلة للصلاة في أي مكان في العالم.. العلاقات الدولية مبنية على المصالح وعندما نجد أن مصالحنا في الشمال فعلينا أن نذهب للشمال، وعندما نجد أن مصالحنا في الجنوب فعلينا أن نتوجه للجنوب، وعندما تكون مصالحنا في الغرب فيجب علينا أن نذهب إلى الغرب، وعندما تكون مصالحنا، من خلال تلك البوصلة، في الشرق فعلينا أن نتوجه إلى الشرق. ومن الشرق سوف يكون حديثنا في هذا المقال عنه، ونقصد به تحديداً روسيا.. فهي دولة عظمى يديرها رجل ذكي اسمه فلاديميير بوتين، وكان مدير الاستخبارات السوفيتية سابقاً ال(كي جي بي)، في حقبة الاتحاد السوفيتي سابقاً.. استطاع أن يعيد قوة الاتحاد السوفيتي المنهار إلى اتحاد روسي قوي.. بوتين وجد أن سياسة بلده روسيا في الشرق الأوسط، وفي عالمنا العربي بالذات ومصالحها، لا تتناسب مع دولة عظمى بحجم روسيا، فوجد أن مصالح بلده تتقاطع مع مصالح السعودية وبخاصة بعد رؤية المملكة 2030 الطموحة. روسيا دخلت مع المملكة في اتفاقية خارج أوبك من أجل خفض إنتاج البترول لرفع أسعاره، كون السعودية وروسيا أكبر بلدين مصدِّرين للنفط في العالم، ووجد في المملكة شريكاً قوياً وموثوقاً فيه، يعتمد عليه في استقرار أسعار النفط عالمياً من أجل أن تكون أسعاره في متناول الجميع، ولا يشكل عبئاً على الدول الأخرى المستهلكة.. هذا هو الاستثمار الحقيقي بعينه، والذي حقق عوائد للسعودية وروسيا بمئات المليارات من الدولارات، من خلال المحافظة على أسعار النفط في مستوى ثابت تتأرجح قليلاً صعوداً وهبوطاً، وهذا مقبول جداً، وليس كما يعتقد البعض أن الاستثمار بين البلدين والتبادل التجاري لم يتجاوز ال6 مليارات ريال سعودي في السنوات الأخيرة.. إذن مصلحتنا، كما تشير إليها البوصلة، هذه المرة، في روسيا.. صحيح نحن نختلف معها في بعض الملفات السياسية ولكن علينا أن ننسفها وراء ظهورنا، فالسياسة لعبة قذرة لا نعرف ما وراء كواليسها، وهي سياسة متغيرة ومتقلبة تحكمها المصالح.. فروسيا ساعدتنا في اليمن بإصدار قرار أممي (مجلس الأمن) لدعم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والرئيس بوتين في مقابلته في قناة العربية قال إن السعودية ساعدتنا في سوريا للمحافظة على وحدة واستقرار سوريا.. مصالحنا واستثماراتنا يجب أن لا نضعها في سلة واحدة بل في عدة سلال مثل المثل القائل (لا تضع البيض في سلة واحدة). سياستنا الخارجية وتحالفاتنا يجب أن تنصب وترتكز على مصالحنا فقط، التي تقوي سياستنا الخارجية مع جميع دول العالم.. فالمصالح هي بوصلة السياسة توجهها وفق ما تشاء.. مررنا بمطبات وبمقالب من بعض الدول بسبب (الصداقة) بل أدخلتنا في متاهات سياسية استنزفت ثرواتنا ووجدنا أنفسنا تائهين بسبب تلك الصداقات غير المبنية على المصالح.