مرحلة النمو هي أكثر المراحل إثارة بلا نزاع، فهي تمنح الإنسان حرية الفضول والتجربة والاكتشاف والاستقلالية والتجدد المستمر الذي يبعث بدوره على طاقة إيجابية تنتشر بين الناس بانسيابية رشيقة.. وفي مرحلة النمو يصافح الفتى رشدًا فيصبح على أثره باحثًا عن الحكمة، متعطشًا للإدارة والتحكم بالنفس، حتى ينشغل لاحقًا بصناعة المال والعيال كما هو الحال.. عندما نقارن هنا بين هذه الصورة المثالية للنمو وما يمارس في هذه المرحلة التنموية من مؤسسات القطاع الخاص، نلاحظ أن تلك المؤسسات «شركاء التنمية» لم يستوعبوا بعد حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم خصوصًا بعد إطلاق حزم من المشاريع التطويرية الضخمة، وذلك لانشغالها المستمر عن «العيال» بصناعة المال والكسب السريع. يقولون «راس المال خواف» فتجد معظم الشركات الربحية الكبرى تنتهج هذا النهج خوفًا من الخسارة أو ربما بسبب عدم ثقتهم بنجاح التحول العظيم الذي نشهده اليوم وما سيؤول اليه مستقبلاً.. المسؤولية تستدعي الخوف والحذر تماماً كما تفعل الأم بأبنائها، ولكن المشكلة تكمن في مكان آخر داخل الصندوق.. مكان يحتوي على الخوف من تمكين المواطنين على النمو قدمًا.. ألا يثير استغرابك أن تجد نسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص أقل من 17٪ في الوقت الذي يحظى فيه هذا القطاع بما نسبته 48٪ من الناتج المحلي الإجمالي. لا أخفيكم أن بعض القصص التي تصلني من شاغلي ال17٪ تصيبني بالذهول حقًا.. ففي إحدى القصص يكافأ الموظف السعودي على جهده المتفاني لسنوات بتقليص المسؤوليات.. وآخر يعاني من عزله بشكل واضح عندما تسعى الشركة لتأهيل موظفيها للمناصب العليا، متجاهلة تمامًا كل تضحياته وساعات العمل الإضافية التي قضاها منتجًا بلا مقابل. هذه الحالة من اللا توازن هي خطر وشيك يضر بنا جميعًا كمواطنين ومقيمين على حد سواء، فهو يضعف من كيان المهنيين السعوديين ويثقل الضغط على أصدقائنا أصحاب الهمم العالية من غير السعوديين. والأخطر من ذلك هو ما يمكن أن تسببه حالة اللا توازن من تعطيل مزعج لعجلة التنمية. ألا يعلمون أن من أهداف السعودة الواضحة هو النهوض بأبناء الوطن و»توطين الأداء الاحترافي»، مما يساهم بشكل كبير في خفض نسبة البطالة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكوادر البشرية. أخيرًا ادعموا أبناء الوطن حتى يشاركوا في بنائه ويفتخروا بالعمل على نجاحه.