أكد الخبراء والمحللون السياسيون أن السنة السادسة لاحتلال العراق سوف تكون بداية جديدة على طريق فشل الولاياتالمتحدةالأمريكية الذريع في تحقيق أحلامها وطموحاتها في العراق كما فشلت في تنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط، وبالرغم من أن أطرافاً عديدة كسبت من وراء الحرب الأمريكية على العراق إلا أن الطرف الخاسر - بعد العراق بالطبع - هو إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وإن كانت هناك مكاسب فردية لبعض معاوني بوش الذين استفادت شركاتهم من تدمير العراق، فلا أحد ينكر أن إيرانوسورياوتركيا وإسرائيل كسبت من سقوط العراق، كل بطريقته؛ فإيران العدو اللدود لواشنطن جنت ثمار سقوط الجيش الأمريكي في المستنقع العراقي، فبات من المعروف لدى خبراء السياسة والاستراتيجية أن شن حرب على طهران من قِبل أمريكا بات مستبعداً بعد أن كان على وشك الحدوث، كما استغلت إيران ورقة العراق في مفاوضاتها مع الغرب خاصة أمريكا حول برنامجها النووي، بل إنها دخلت في حوارات ومباحثات مفتوحة ومعلن عنها مع أمريكا بشأن العراق، وهذا من شأنه إيجاد طريقة وسط بين العدوين ومحاولة إيجاد مصالح مشتركة على جثة العراق الذي صرعته الآلة العسكرية الأمريكية. أما سوريا فقد استفادت من وجود حدود مشتركة مع العراق في الضغط على الغرب واستخدام ورقة العراق للضغط أيضا، وهو بحسب الخبراء أجل فرض عقوبات عسكرية على سوريا. أما تركيا فقد قوّت تحالفها مع أمريكا واستفادت بضوء أخضر لملاحقة معارضيها، ليس على الحدود المشتركة فقط، بل توغلت داخل الأراضي العراقية بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني. واستفادت إسرائيل كثيراً من حرب أمريكا على العراق؛ فقد ضاعت قوة عسكرية كانت إسرائيل تخشاها، كما استفادت من بترول العراق عبر الشركات متعددة الجنسيات التي دخلت مع القوات الغازية إلى بلاد الرافدين، كما اتخذت لنفسها ضوءاً أخضر في سحق الفلسطينيين تحت ستار الحرب الأمريكية على الإرهاب، واستغلت انشغال العالم بما يحدث في العراق وقامت ببناء المستوطنات والتعذيب والحصار على الشعب الفلسطيني. أما الخاسرون في الحرب برأي الخبراء فهم كثر، على رأسهم العراق الذي تفكك وتشرذم وانتشرت فيه الفوضى الطائفية والمذهبية، كما خسرت المنطقة العربية بإشعال حريق جديد يضاف إلى حرائقها المتعددة. ويؤكد الخبراء أنه بالنظر إلى خمس سنوات ماضية على احتلال العراق وسقوط عاصمته بغداد تحت نير احتلال كولونيالي جديد بمذاق وأهداف الاستعمار القديم ينكشف أن الفشل هو عنوان كل شيء، فشل أمريكي وفشل عراقي، ومحتمل استمرار ذلك لخمس سنوات قادمة برأي الدكتور وحيد عبدالمجيد مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. يقول عبدالمجيد: قبل خمس سنوات كانت (مطابخ) السياسة الخارجية في دول الشرق الأوسط، كما في الدول الكبرى وغيرها من الدول المعنية بهذه المنطقة، منهمكة في حسابات معقدة بشأن مستقبل العراق، حيث كانت الحسابات جارية على قدم وساق، والتوقعات كثيرة والسيناريوهات متعددة. لكن عندما حُسم الموقف عسكرياً بعد أيام قليلة ظل مستقبل العراق موضع خلاف بين تقديرات مختلفة وسيناريوهات متباينة. ورغم الفجوة الواسعة بين التوقعات الإيجابية والتقديرات السلبية لم تتنبأ أكثر التوقعات تشاؤماً بالصورة التي صار عليها العراق الآن بعد خمس سنوات على حرب أعلن القائمون بها أنها ستحوله إلى نموذج يُقتدى به في الديمقراطية والازدهار والتقدم؛ فما حدث خلال هذه الفترة يتجاوز السيناريو الأكثر سوءاً؛ لسبب بسيط هو أن أحداً لم يتخيل الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأمريكيون فور إسقاط نظام صدام حسين. ويضيف عبدالمجيد أنه مثلما كان صعباً قبل خمس سنوات توقُّع ما آل إليه حال العراق اليوم، فليس سهلاً تخيل الصورة التي سيكون عليها بعد فترة مماثلة، مؤكدا أن مستقبل العراق سيظل غامضاً لخمس سنوات أخرى على الأقل بفعل الزلزال الذي دكه في مثل هذه الأيام من عام 2003 وتوابعه التي هدأت نسبياً الآن، لكن آثارها العميقة ستظل مطبوعة على جبين هذا البلد لفترة طويلة. ويوضح الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم نافع رئيس اتحاد الصحفيين العرب أنه بعد خمس سنوات من الاحتلال وأكثر من أربعة آلاف قتيل أمريكي في العراق، لا تزال إدارة الرئيس بوش تصر على أنها حققت إنجازاً ملموساً في العراق، وأن الحرب الأمريكية على الإرهاب في العراق سوف تنتهي بالانتصار! ويشير نافع إلى أن الحقيقة عكس ذلك تماماً؛ حيث إن الغزو الأمريكي للعراق لم تكن له أي علاقة بالحرب على الإرهاب، لكن فريق المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة أرادوا استغلال الاعتداءات الإرهابية على برجي التجارة العالمي من أجل تطبيق رؤيتهم تجاه العالم، وهي رؤية متطرفة، بل مغرقة في التطرف. وزجوا بالعراق في أتون العملية، وادعوا أن العراق أنتج أسلحة دمار شامل، وروجوا أكذوبة أن هناك علاقة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، ولم تقتنع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ولم يمنح المجلس واشنطن تفويضاً بشن الحرب، وبرغم ذلك شنتها واشنطن ولندن بالأساس، فكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس؛ فقد عجزت واشنطن عن إثبات أي من ادعاءاتها، واكتشف وزير الخارجية السابق كولين باول خديعة أجهزة الاستخبارات له، وأن ما قدمه في مجلس الأمن كان محض أكاذيب، فرفض الرجل الاستمرار في منصبه في ولاية بوش الثانية. وقالت واشنطن إنها ستجلب الديمقراطية في المنطقة بدءا بالعراق، فجلبت الخراب والدمار، وبات العراق حالياً نموذجاً على تدمير الدولة المستقرة وهدم مؤسساتها وإشاعة الفوضى الهدامة.الكاتب والمحلل السياسي سلامة أحمد سلامة يعتبر أن حلول سنة سادسة على غزو العراق واحتلال القوات الأمريكية والبريطانية لهذا البلد العربي العريق نكبة ثانية في تاريخ العرب الحديث بعد احتلال فلسطين، موضحا أن كارثة العراق وقعت مع مطلع القرن لتشيع جواً من التشاؤم إزاء ما ينتظر العرب من أحداث تنبئ وقائعها التي نشهدها اليوم بأنها تسير من سيئ إلى أسوأ في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة، وفي الحالتين وقعت الأمة العربية فريسة تحالف مقدس بين العنصرية الصهيونية والهيمنة الرأسمالية الأمريكية لكي يعاد تقسيمها إلى مناطق ويسهل استغلال ثرواتها النفطية والسيطرة بالقواعد العسكرية على ممراتها البحرية وعلى موقعها الاستراتيجي الحاكم بين الغرب والشرق الآسيوي. المحلل السياسي محمد جمال عرفة يؤكد أن انسحاب القوات الأمريكية بات أمراً محسوماً من قِبل أمريكا، حيث تظهر معالم واضحة لخطة أمريكية للانسحاب بشقيها العسكري والاستراتيجي في صورة إعادة ترتيب للتحالفات والخطط الأمريكية الداخلية سياسيًّا وعسكريًّا. ولأن العقبة الكبرى كانت هي المقاومة العراقية، ومعها تنظيم القاعدة، فقد سعت الخطة الاستراتيجية الأمريكية - بالتعاون مع حكومة المالكي - لتفتيت الصوت السني في البلاد عبر ابتداع فكرة (مجالس الصحوة) لقتال عناصر القاعدة، وذلك بالتوازي مع محاولات لتحجيم دور القوى الشيعية المناهضة، خصوصاً مجموعة (الصدر)، وإفساح المجال لمشاركة سُنية أكبر في الحكومة. وأيضًا لأن المشكلة الأمريكية الأخرى كانت ضمان عدم قفز قوى خارجية على العراق والتأثير فيه بما يضر النفوذ الأمريكي فقد شهد العام 2007 محاولات دبلوماسية أمريكية مكثفة لضمان تحييد هذه القوى - خصوصاً طهران ودمشق - لضمان استقرار نسبي في العراق يسمح بسحب القوات الأمريكية الذي يقترب.