توقع العالم ان يخبو ويتراجع احتمال إقدام إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على شن الحرب ضد ايران، خصوصاً بعد الفشل المدوي في العراق، وما خلفه من زلزال، داخل أميركا، أدى الى خسارة الجمهوريين في الانتخابات وفقدانهم سيطرتهم على الكونغرس، بمجلسيه، لصالح تسيّد الديموقراطيين عليه، الذين استفادوا كثيراً من إخفاقات سياسة بوش في العراق، ثم جاء تقرير لجنة بيكر - هاملتون ليؤكد أن هناك قناعة باتت سائدة، في الحزبين الجمهوري والديموقراطي على حد سواء، بضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية الأميركية لصالح اعتماد استراتيجية تقوم على التفاوض والديبلوماسية لتمهيد الطريق أمام انسحاب القوات الأميركية على قاعدة حفظ المصالح الأميركية في المنطقة. غير أن ما حصل كان عكس ذلك حيث رفضت إدارة جورج بوش الامتثال لهذه الوقائع وقررت مواصلة طريقها في استخدام القوة سبيلاً لبلوغ أهدافها التي فشلت حتى الآن في تحقيق أي منها، لا في العراق، ولا في افغانستان. ولذلك وضع الرئيس الأميركي على جدول أعمال خطته الجديدة توجيه ضربة عسكرية لإيران. لكن ما هي مؤشرات هذا التوجه لإدارة بوش؟ وهل هذه المؤشرات كافية للقول إن خيار الحرب بات محسوماً؟ أم أن هناك معطيات كثيرة تجعل خيار ضرب إيران صعب التحقق؟ - وبالتالي أيهما الأكثر ترجيحاً: استعراض القوة للتهويل، أم استخدامها وسيلة عندما يحين الجلوس الى طاولة التفاوض؟ أم خيار توجيه الضربة العسكرية؟ وما هي حقيقة الدور الاسرائيلي في الوقوف وراء التحريض على الحرب؟ أولاً: في المؤشرات: بعد أن أعلن الرئيس الأميركي عن خطته، التي تعتمد على مواصلة استخدام القوة، وعدم الاتعاظ مما حصل على مدى السنوات الماضية، تحركت الإدارة الأميركية في اتجاهات عدة لتوفير الظروف المواتية لشن الحرب على ايران: - عسكرياً: نشر صواريخ"باتريوت"في منطقة الخليج، هدفها التصدي للصواريخ الايرانية، وإرسال حاملة طائرات"جون ستينيس"لتنضم الى حاملة الطائرات"دوايت ايزنهاور"، وهاتان الحاملتان مزودتان بأحدث الطائرات والأسلحة الحربية والصاروخية. - حركة سياسية لتهيئة المسرح في المنطقة لمحاصرة وعزل ايران، وتحويل الاهتمامات العربية باتجاه مواجهة ما يسمى"الخطر الايراني"على أمن المنطقة، وهذا ما ركزت عليه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في جولتها الأخيرة في المنطقة، التي نجحت فيما يبدو في كسب التأييد من بعض الدول العربية للخطة الأميركية. - تحرشات اميركية بإيران بلغت حد الاعتداء على ديبلوماسييها في العراق، وكان آخرها الهجوم الأميركي على القنصلية الايرانية في أربيل واعتقال موظفيها. - مواصلة الضغوط الأميركية في مجلس الأمن لفرض عقوبات على ايران، حيث نجحت في فرض مستوى معين من هذه العقوبات. ان هذه الحركة الأميركية العسكرية السياسية تعكس اتجاهاً واضحاً لخلق البيئة المواتية وتهيئة المسرح لشن الحرب على ايران لضرب قدراتها النووية والاقتصادية، وهي تذكر بالأجواء التي خلقتها إدارة المحافظين الجدد تجاه العراق عشية إقدام القوات الأميركية على شن الحرب عليه واحتلاله. ثانياً: المصاعب التي تقف في طريق الحرب: إذا كان البعض يقول انه كانت هناك عقبات أو مصاعب واجهت إدارة بوش عشية شن الحرب على العراق، ومع ذلك فهي أقدمت على الحرب، فإن ذلك لا يصح سحبه على وضع ايران، لا في السابق، ولا الآن، لأنه لو كان العراق في وضع مشابه لإيران لكان الأمر مختلفاً. فإيران قوة عسكرية واقتصادية كبيرة في المنطقة، وتحظى بدعم روسي وصيني قوي، وذات مساحة شاسعة، وقيادتها تحظى بتأييد شعبي كبير، الى جانب موقعها على الخليج العربي وقدرتها على التحكم بمضيق هرمز الذي تنقل عبره 40 في المئة من حاجة العالم من النفط، ومع ذلك فإن تجربة غزو أميركا للعراق والفشل الذريع الذي منيت به يظهر بأن الأمر ليس من البساطة أو السهولة حصوله باتجاه ايران التي هي أقوى من العراق بكثير قبل وبعد تعرضه للحصار الذي أنهكه وجعله مهيئاً لغزو أميركي، فإدارة بوش غير قادرة اليوم، بعد ما يقارب الأربع سنوات من غزوها، على السيطرة على العراق وإنهاء مقاومته، التي تزداد قوة، فكيف بها أن تخوض حرباً ضد ايران التي تملك قدرات كبيرة على المواجهة العسكرية والرد على الضربات الأميركية بتوجيه ضربات موجعة للقواعد والأساطيل الأميركية في منطقة الخليج، وكذلك ضرب المنشآت الحيوية الاسرائيلية، أضف الى ذلك فإن إدارة بوش لا تضمن الانتصار في هذه الحرب عدا عن أنها لا تضمن أيضاً عدم الخروج منها بخسائر جسيمة جداً، وبالتالي تعرضها لهزيمة قاسية، ما يعني انعكاسات درامية على مجمل المصالح الأميركية في أكثر المناطق حيوية في العالم. وإلى جانب ذلك، فإنه على عكس المناخات التي كانت سائدة عشية غزو العراق، فإن ادارة بوش لا تملك اليوم تفويضاً من الكونغرس الأميركي، الذي بات بغالبيته يقف ضد الاستمرار في الحرب على العراق، فكيف به يوافق على شن حرب جديدة، أما الشعب الأميركي فغالبيته 70 في المئة لا تدعم بوش في حرب جديدة. وفوق ذلك فإن المؤسسة العسكرية الأميركية لم تعد تؤيد الاستمرار في سياسة الحرب ومغامرات بوش، خصوصاً أن وزير الدفاع الجديد غيتس هو من أعضاء لجنة بيكر - هاملتون الذين أوصوا بالإقلاع عن لغة القوة لصالح اعتماد لغة الحوار والتفاوض مع ايران، الى جانب ذلك فإن الدول العربية الخليجية الحليفة لواشنطن لا تؤيد الحرب لأنها ستكون كارثة عليها، فهي ستكون مسرحاً لها، ومطالبة، بذريعة مواجهة الخطر الايراني، الانفاق على هذه الحرب، ما يعني استنزاف قدراتها، عدا عن توقف ضخ النفط من المنطقة، فيما مجلس الأمن الدولي الذي لم يمنح أميركا تفويضاً بغزو العراق، بات اليوم أكثر اعتراضاً على سياسات الحرب الأميركية ومنطق التفرد بالقرار الدولي، خصوصاً بعد انتقال الصين وروسيا الى مرحلة التصدي للسياسة الأميركية الفيتو الأخير حيث تعارضان سياسة العقوبات ضد ايران، وتقوم موسكو بتزويد طهران بأسلحة حديثة ومتطورة خصوصاً أنظمة الصواريخ. ان هذه المعطيات تشير بوضوح الى أن ادارة بوش لا تستطيع ان تذهب الى حرب جديدة، والولاياتالمتحدة منقسمة، غير موحدة في ظل ادارتين بوشية وديموقراطية، الى جانب ان الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش لا يؤيد الاستمرار في سياسة الحرب، وهو يضغط على الرئيس الأميركي من أجل إعادة النظر بهذه السياسة، خصوصاً أن الاستمرار في هذه السياسة سيدفع الجمهوريين الى المزيد من الخسائر ويقدم رئاسة البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، بعد أقل من سنتين، الى الديموقراطيين على طبق من الفضة. إذا قرر بوش الضرب بعرض الحائط كل هذه الوقائع، ومواصلة الاستعداد فعلياً للحرب، على اعتبار انه لا يستطيع الترشح مجدداً لولاية جديدة في البيت الأبيض، فإنه لن يجد القدرة على إقناع الكونغرس بالموافقة على قرار الحرب، وبالتالي الحصول منه على إقرار الأموال اللازمة للإنفاق على هذه الحرب، فالحرب تحتاج الى موافقة الكونغرس والجيش، وكذلك الى توفر الأموال، وهذه كلها شروط غير متوافرة للرئيس بوش. ثالثاً: إذا كانت الشروط الفعلية لشن الحرب غير متوافرة، أو لا تعمل في صالح خيار الحرب، فإنه لا يستبعد أن يكون حشد القوات والأساطيل في الخليج، وقرع طبول الحرب ضد ايران، وشحن الأجواء والمناخات في المنطقة، هدفه التهويل والتلويح بالعصا من أجل إخضاع ايران عبر المفاوضات معها من موقع القوة، بوضع الأمور على حافة الحرب، وبالتالي ظهور بوش بأنه لم يفقد جميع أوراقه أمام ايران، التي بات بيدها الكثير من الأوراق التي تستطيع استخدامها في مواجهة الولاياتالمتحدة، إذا ما عمدت الأخيرة الى التورط في حرب ضدها. رابعاً: لكن هذا لا ينفي احتمال استخدام القوة، مع كل الاحتمالات التي ستنتج عنها، لسبب أساسي وهو منطق المغامرة لدى المحافظين الجدد الذين قد يتصرفون على قاعدة مصالحهم الضيقة التي ستنهار بالكامل إذا ما خرجوا من الحرب في العراق مهزومين، حيث سيتحملون المسؤولية عن هذه الهزيمة، وما أدت إليه حروبهم بعد أحداث 11 أيلول، كما أن هناك عاملاً آخر يدفع باتجاه هذه الحرب، وهو المصلحة الاسرائيلية حيث لا يخفى على أحد بأن اسرائيل تحرض إدارة بوش على خوض الحرب ضد ايران، لأنها تخاف من تعاظم القوة الايرانية وامتلاك ايران للتكنولوجيا النووية، الأمر الذي يكسر احتكارها للعلم والتقنية ويسقط مشروعها للهيمنة على المنطقة والتسيد عليها، الى جانب كون ايران تشكل قوة دعم وإسناد لخط المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين ولبنان، وحليفة لسورية التي ترفض الرضوخ والاستسلام للمشروع الاسرائيلي - الأميركي، وهذا ما يفسر كلام شيمون بيريز الأخير، في قطر، عندما عمد الى تحريض العرب على ايران باعتبار برنامجها النووي خطراً على الجميع، غير أن هناك شبه إجماع لدى الخبراء والمحللين بأن المشروع النووي الايراني لا يهدد العرب ولا حتى أميركا، وأن الدافع للحرب يمثل مصلحة اسرائيلية بحتة، فيما تشكل ايران، منذ سقوط الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية، قوة حليفة للعرب ضد اسرائيل. * كاتب فلسطيني