تحزن عندما تصطدم بواقع مرير، ما يجب أن يكون!.. أعني ما آلت إليه أحوال نجوم الرياضة السعودية ممن عفا الزمان على ظروفهم، وباتوا لا يجدون الكفاف في عيشهم ومعيشتهم، لا يستطيعون مواجهة متطلبات الحياة الكريمة والآمنة، في المأوى والعلاج والعمل. هذه الفئة التي قدمت زهرة شبابها وجهد حياتها في خدمة رياضة بلادها من خلال الأندية والمنتخبات، وملأت دنيا الرياضة السعودية أضواء وشهرة وتصفيقاً، تهتف بها لهم مدرجات الملاعب وصفحات المطبوعات وشاشة التلفزيون.. وعندما تنطفئ أضواء الشهرة والقيمة لهؤلاء النجوم نتيجة الابتعاد عن الملاعب إما بالاعتزال أو نتيجة الإصابة.. يكتشف هذا اللاعب أنه بات وحيداً في مواجهة الزمن وتقلباته وجحوده. لن أستعرض أمثلة تدليلية على حقيقة هذا الواقع، ويكفي أن أتمثل بحالة مبارك عبدالكريم، ومحمد سعد العبدلي، ومصطفى لبان، وغيرهم كثر.. لا أحد يدري عنهم من لاعبي كرة القدم والسلة والطائرة والكاراتيه ومختلف الألعاب. وهنا لا فرار من طرح السؤال الأهم: لماذا يحدث ذلك؟! ومَن يجرب الإجابة سيكتشف غياب (العلمية الرياضية) عن منظومتنا الرياضية، واستمرار (الفراسة التقليدية) التي لا تأبه بوجود استراتيجية رياضية تجعل من الرياضة قيمة وحاجة، ثقافة وتكافلاً، مبادئ وقيماً.. لا ينتهي الرياضي في نواميسها، إنما تحفظ له (أي للرياضي) وجوده وتواجده كراعٍ وداعم ومساند له في حياته ومعاشه؛ عوناً له في مواجهة متطلباتها وحوائجها، ترسم له خطوات مسيرته من خلال توفير فرص العمل والاستفادة من قدراته في أن يظل (عنصراً منتجاً)، يشارك مجتمعه في العطاء والبذل. يحدث ذلك.. إذا ما وجد اللاعب الرياضي أن منظومته الرياضية ترعاه قبل وأثناء وبعد مسيرته في الملاعب، من خلال برامج واستراتيجيات تعرف كيف تفيد وتستفيد من هذا اللاعب، وبالذات بعد اعتزاله.. ولنا في تجارب دول أكثر تحضراً وتطوراً رياضياً منا.. المثال والقدوة.. ولعل ما تطرق إليه الزميل خالد الدوس في أوراقه التاريخية حول مؤسسة sc اليابانية التي تعنى برعاية اللاعبين الرياضيين بعد الاعتزال.. جدير بالاهتمام والأخذ به. سأطرح هنا فكرة، أتمنى أن يرعاها رجل الرياضة السعودية الأول سلطان بن فهد، وهو المملوء إخلاصاً وتفانياً في خدمة كل ما فيه نفع الرياضة السعودية، والمبادر الوفي لأعمال الخير والوفاء. الفكرة تتحدد في تأسيس (الوقف الرياضي) السعودي؛ ليكون الوعاء المتاح لكل الميسورين في مجتمعنا السعودي ممن يرحبون ويسعون في رعاية الأفراد والأسر الرياضية المحتاجة في كافة مناطق المملكة. إنّ وجود مثل هذا (الوقف الرياضي) سيكون داعماً ورافداً للاعب الرياضي السعودي ولأسرته عندما تعضه تقلبات الزمان.. يصون كرامته ويعفه عن سؤال الحاجة والعون من الناس. أنت لها يا سليل الفهد، ولتكن مؤسس هذا الركن الرياضي الخيري الذي لن يسبقك فيه أحد، لعله يكون بادرة يشيع تواجدها في مختلف مجتمعات الإنسانية المعاصرة. إنّ قيمنا العربية الأصيلة، وغاية مقاصد شريعتنا المحمدية السمحة، تحث على هذا الفعل الذي لا يقدم على المبادرة به إلا كرام الرجال ورجل الجود والخير.. أعني أنت يا أمير الرياضة السعودية المنتسبة إلى مملكة الإنسانية. كل البيت الرياضي السعودي الكبير ينتظر تأسيس هذا الوقف؛ ليتسابق كل الخيرين وطلاب المثوبة والثواب الرباني وأوفياء الرياضة بمدرجاتها وأنديتها في المشاركة بالتبرع والعطاء، صدقات وزكوات وواجباً ووفاء إنسانياً يُشكر ويُحمد. هذا ما آلت إليه الأمور..!! لا يجب أن نغمض العين عن حقيقة معاينة وملموسة، تتعلق بالمنتخب السعودي للكرة الذي ظهر بمستوى متواضع أمام أوزبكستان ضمن التصفيات الأولية لكأس العالم. أقصد الإرهاق الذي يتلبس اللاعب السعودي الذي أنهكته مسابقات الكرة.. العديدة، والمتداخلة، والمتزاحمة، والمضغوطة، والمتقطعة.. والمملوءة بالعجب العجاب.. (بسبب): غياب (العلمية الرياضية)! فالارتجالية والعشوائية هما عكازا العمل التقليدي، والفارق ما بين التقليدية والعلمية أن العلمية تعتمد على التخصص والمعرفة الرياضية (العلمية)، وعلى مدى التراكم الخبراتي لهذا المتخصص الرياضي؛ لذلك تستخدم العلمية الرياضية وسائل وأدوات الإداري العلمية الحديثة في تحديد استراتيجياتها وبرامجها ومعاييرها.. وكوادرها العاملة. أما (التقليدية) فهي تلك المعتمدة على المعرفة الانطباعية وعلوم الفراسة في تدبير الأمور بطريقة روتينية ارتجالية. (العلمية الرياضية) هي التي تدير (وليس تدبر) الكرة في بلد مثل إنجلترا أو هولندا أو إسبانيا.. لذلك فهي تملك مسابقات (لا ترهق اللاعب) ولا حتى المتابع(!) وإنما هي مسابقات تعين وتساعد على تطور الأداء والعطاء للاعب والكرة في ميدان التنافس.. الأهم! مسابقات (أهل العلم) تمكنك من معرفة اليوم والساعة والمكان الذي سيلعب فيه فريقك المفضل في المسابقة المحلية في الموسم الراهن والقادم والذي يليه وما بعد الذي يليه..! على فكرة، المنتخب لم يلعب أية مباراة ودية استعدادية قبل خوض اللقاء مقارنة بما حدث بالنسبة إلى منتخبات مجاورة تمتلك البرمجة العلمية التي تفرضها نواميس العمل الرياضي في حقبة العولمة.. لو أن العلمية الرياضية هي سيدة الموقف.. لما وضعنا رقبة كرتنا في تقليدية واجتهادية (الحكير) و(المصيبيح).. مثلاً!! اضحك! في زمن صحافة الحقبة الصفراء، ونتيجة الرعاية الداعمة للأميين في الانتشار الأفقي والرأسي في وسائط الإعلام، كتب أحدهم ممن بات (كاتباً) و(منظراً) و(صحفياً) تغرد وتخصص له الزوايا والبرامج والمقالات والحظوات.. كتب - صاحبنا - مقالة تقطر عرقاً في نزف سطحيتها وتسطيحها، مفادها (أن قائدي الطائرات اشتكوا إلى برج المراقبة الجوية في مطار الرياض من مضايقة (الليزر) أثناء تحليقهم في أجواء الرياض..!). صاحبنا (الأصفر) لم يجد إلا هذه الحبكة السخيفة.. لعلها تكون معيناً في تجنيب مدرجه لوماً وملامة وعقوبة.. لم تأتِ.. ولن تأتي.. طبعاً! لأن العقوبة الحقيقية في تواجد أمثال صاحبنا في الصحافة وتصنيفه ككاتب.. يحظى بالدلال والدعم.. المريب!!