كان الشعر قديماً هو الوسيلة الإعلامية التي يصنعها الشاعر لتوصيل رسالته وذلك من خلال القصيدة التي يقوم بصياغتها حاملة بين طياتها مزيجاً من المعاني التي يستطيع المتلقي من خلالها معرفة ما يدور في ذهن الشاعر وما يختلج في خاطره من رؤى وأفكار تكون واضحة أمامه أشد الوضوح. ولهذا كان لمشعان بن هذال أحد المشايخ في عصره بنت على جانب من الحسن والكمال والقد والاعتدال والعفة والجمال، وكان آل هذال لا يزوجون بناتهم إلا من فخذ آل هذال من العمارات، فسمع بها بعض الرجال، وكان هذا الرجل ذا ثروة طائلة بحيث يستطيع أن يدفع لها من الصدق ما لا يحصى عكس ما عليه هذا الفارس الشاعر المغوار من ضيق الحال. فاغتنم هذا الرجل الفرصة السانحة فتجهز هو ونفر من حاشيته وأخذ معه صداقا كبيرا وهو عبارة عن مائة ناقة حمراء وعدد من الخيل وأموال لا تحصى، وسار حتى قارب مضارب خيام مشعان فلما وصل استقبله مشعان استقبالاً لائقاً به، لكنه فهم القصد الذي جاء من أجله فأمر مشعان بإعداد وليمة كبيرة وأمر بإحضار القهوة، وبعد أن دارت كؤوس القهوة على الضيوف طلب مشعان من أحد عبيده أن يحضر له الربابة فأحضرت فارتجل وغنى هذه الأبيات: يا ربعنا قد حرمن الرعابيب وركب المهار ونقلنا للسلاحي من يوم ذكر غنيم بالنزل خطيب متبجج يبغى ظبي البياحي يبغى غزال خالط المسك والطيب والى مشى خطر عليه الطياحي هي قط مغوتيك حرش العراقيب حقايق ومعها اسمان لقاحي ما ذكر حصني يصيد الأشابيب والبس يقنص للنعام المداحي دور حليك من بريه الدياحيب فتر ظهرها من عراض الفطاحي فلما سمع الوافد هذا الشعر خابت آماله وتداعت أحلامه وقفل راجعاً من ساعته لا يلوي على شيء. وإلى اللقاء مع شاعر آخر وقصيدة أخرى.