يعد الشاعر الكبير محمد بن خلف الخس احد ابرز الشعراء الشعبيين الذين وظفوا المدح في سياق شعر الغزل توظيفاً فعلياً، وسيلحظ المطلع بروز هذه الظاهرة في شعره بشكل يلفت الانتباه، إلا أنه وخلافاً لما رأينا في شعر نموذجنا الاول ضيدان بن قضعان، لا يفخر بنفسه أو بانتمائه للقبيلة، أضف إلى ذلك ان الاسلوب الذي يستخدمه الخس يتميز عن أسلوب ابن قضعان بعدم المباشرة، ويتسم أسلوبه أيضاً بالتنويع، وبتوظيف المدح بشكل متقن، وعلى درجة عالية من الإبداع، ومن ذلك على سبيل المثال الأبيات التالية التي يقوم فيها الشاعر بتوظيف المدح في قصيدة الغزل من خلال الربط بين الموت الذي يراه في عيني صاحبته الجميلتين، وبين الموت المتحقق بسيوف الممدوحين( هل الردات - الطنايا): هلا هلا يا أم العيون المظله اللي بعيني بعيني ما لهنه حلايا فيهن تقول طراد خيل وسله أما هل الردات والا الطنايا ليا حذفوا عن المهار الأجله وردوا لبيض كنهن الحنايا وخلافاً لما رأينا في شعر ابن قضعان، نجد في غزل الخس حضوراً قوياً لأسماء الأعلام ذبحتني يا سيد كل الرعابيب فجيت قلبي يا أريش العين فجي فج مثل مضراب شلفا تريحيب شلفاً تخلي الدم الأحمر يكجي وعند رؤية المحبوب يتنازع الشاعر شعوران متناقضان : شعور السعادة القصوى التي لا يماثلها إلا سعادة الملك المتوج، وشعور الشقاء والألم الذي لا يماثله إلا شقاء وألم المطعون بسلاح - شلفا الممدوح: كني اليا شفتك على انهار وبروج وإلا ملك شعب على راسي التاج واليا بديت بضحك وهروج واغنوج قلبي غدا زبدة على صالي الصاج أومير كني بين الأضلاع مخجوج بشلفا مثل شلفا غنيم بن فراج ويعلق الشاعر في الابيات التالية إمكانية إتصاله بصاحبته على وجود رجل شجاع كالممدوح الملك عبدالعزيز آل سعود، يقوم بقيادة الجيوش، وتخليصه من هؤلاء «الحجاجير» الذين يحولون بينه وبينها: يقول أنا شايم لك عن ربوعي وأقول مافاد الحكي والتمني ما أنت متهين لي لو أحب كوعي دونك حجاجير تحن وتوني ألا يجيبك من يجيب الرجوعي مخلي الفياض الممحله يخضرني أو يامر الله من يقود الجموعي عبدالعزيز الفيصلي يمتكني وأود ان أشير إلى نقطة أخيرة أختم بها حديثي عن هذه المسألة، وهي أن توظيف المدح في سياق شعر الغزل يستدعي في كثير من الأحيان فكرة الحرب، خاصة إذا كانت الصفة أو القيمة التي يمدح بها هي قيمة الشجاعة، ويتفاوت الشعراء في وقوفهم على فكرة الحرب تفاوتاً كبيراً، فمنهم من يمر عليها مروراً سريعاً وخاطفاً، كما نجد لدى الشاعر المعروف نمر بن صنت -رحمه الله - في قصيدته الشهيرة «نجمة الصبح»، حيث يتعرض لها في بيت واحد فقط، ومنهم من يطيل الوقوف عندها كما فعل ذلك الشاعر الكبير عبدالله بن عون في قصيدته التي يقول في مطلعها :«الله من قلب رمع فيه رماع»، حيث يستغرق الشاعر عشرة أبيات من قصيدته في وصف معركة متخيلة، وكما تلاحظون من خلال الشواهد الواردة في هذا المقال من شعر الخس فهناك حضور لمفردات الحرب وأدواتها، ومن ذلك على سبيل المثال : البيارق، الرمك، المهار، الخيل، شلفا، حراب، مذلقات العريني، الدم الأحمر...وغيرها من المفردات التي ترتبط بفكرة الحرب ارتباطاً مباشراً.