نبئت أن فتاة كنتُ أخطبها عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول تخيّلوا كيف سيكون عرقوب هذه الفتاة في طوله إذا وقع الصوم في شهر أغسطس مثلاً؟! وطول العرقوب عيب في المرأة كما يقول الشاعر، فالمرأة كلما قصر عرقوبها واندمج عقبها في ساقها كان ذلك من سيماء الجمال، وكلما طال عرقوبها بدا الأمر من علامات القبح.. طبعاً ليس القبح في الوجه فقد يكون الوجه جميلاً وإنما المراد هنا الجمال التكاملي بمعنى ألا تكون المرأة طويلة العراقيب، طويلة السيقان، طويلة الأذنين، حتى وإن كان وجهها غير قبيح.. فإذا اجتمعت صفات الطول هذه في أعضائها فإن ذلك حسب قول الشاعر عيب. وربما أن الشاعر هذا بدوي يكره العراقيب الطويلة، والعراقيب هي أيضاً الطرق الضيقة التي تصعد إلى الجبال. ولهذا فإنه كره أو تشاءم من عرقوب خطيبته هذا الطويل الذي يشبه شهر الصوم الكبير في طوله، والأعراب يستطيلون شهر رمضان وخصوصاً عندما يقع في فصل الصيف، فالجو حار والصحراء قاسية، ورياح السموم تشوي وجوههم، واليوم طويل، وهم وراء إبلهم وأغنامهم يتنفسون هذا الهواء الساخن الحار، وقد جفت حلوقهم، ويبست أفواههم من شدة العطش.. أي ليسوا كأصحاب المدن في البيوت المسقوفة أو تحت الأشجار الظليلة، يأخذون قسطهم من القيلولة ويقطعون وقتهم بالتلاوة والقراءة. في الأماكن الهادئة كخلوات المساجد. لذا فإن صاحبنا هذا الأعرابي لم يجد شيئاً أطول من شهر رمضان كي يشبّه به عرقوب خطيبته هذه. وما أدرك الأعرابي أن هذا خير وأعظم أجراً. ونحن لا ندري هل تمت الزيجة من ذات العرقوب الطويل، أم أن الخاطبة أخبرته بطول هذا العرقوب فأخبرنا بهذا البيت بعد أن ولى هارباً تاركاً خطيبته وعرقوبها الطويل؟ أم أن المسألة كذب في كذب، فلا خاطبة، ولا مخطوبة ولا عرقوب طويل، أو قصير وإنما هي كذبة خطرت في ذهن الشاعر فصاغها في هذا البيت للنكتة والإضحاك!! وأن الرجل «متعرقب» في بيته الشعري هذا، والتعرقب هنا هو التشبه بعرقوب، وعرقوب هذا رجل يضرب به المثل في الكذب وقصته في ذلك مشهورة حيث وعد ابن عمَّ له بأن يعطيه تمر نخلة، ثم راح يماطله، فلما حان وقت التمر وجاء الرجل للنخلة وجد تمرها مجذوذاً، وأن عرقوباً هذا يكذب عليه فضرب به المثل في الكذب والتسويف. كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيدها إلا الأباطيل وعلى كل حال سواء أكان الشاعر صادقاً في أن محبوبته ذات عرقوب بهذا الطول الفاحش، أم أنه يبالغ في طول عرقوبها، أو أنه كان كاذباً فلم يخطب ذات عرقوب طويل أو قصير، وإنما ذلك كان من بنيّات أفكاره العرقوبية الكاذبة، فإن البيت طريف وخفيف ويدل على فكاهة الشاعر وسخريته، فهو بهذا البيت اللئيم سيجعل كل فتاة تنظر إلى عرقوبها وربما تقيسه لكي لا يكون طويلاً. ولو أن الشاعر الخبيث قال بيته هذا في عصرنا لرأينا عيادات تجميل كثيرة باهظة الثمن مهمتها تقصير العراقيب.