يقول المفكر الأمريكي اليساري نعوم تشومسكي في كتابه القيم (الدول المارقة): إن الدول العظمى في التاريخ غالباً ما تكون دولاً مارقة، لأنها ك(البلطجي) غير مجبرة على الالتزام بالمعايير الدولية بسبب قوتها المهيمنة وقدرتها على فرض سياساتها على الآخرين، وتجاوز القوانين وتكييف الأوضاع الدولية وفقاً لمصالحها. وأجد قول تشومسكي مقنعاً إلى حد بعيد بل إن هذه الدول ولفرط قوتها هي من يحدد المعايير الدولية، وتصبها في قالب أخلاقي، ومن يخالف هذه المعايير فكأنما يخالف القيم الإنسانية الرفيعة.. ومن الشواهد التاريخية غير البعيدة زمنياً عنا القواعد الدولية التي أرساها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى وتضمَّنها ميثاق عصبة الأمم، ثم ميثاق منظمة الأممالمتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم النظام العالمي الجديد الذي تُشكِّله أمريكا على هواها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولقد بالغت أمريكا في مروقها!، وخروجها عما يُسمى بالشرعية الدولية بعد سقوط عدوها الشيوعي اللدود.. وأبسط الأمثلة على ذلك هو احتلالها للعراق، بدون إذن مسبق من مجلس الأمن الدولي!، وتهديدها المستمر لدول المنطقة والإمعان في التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول.. بل إن هذا المروق وفقاً للنظرة الأمريكية الاستعلائية يُعتبر هو الخط المستقيم، وأيما دولة لا تمشي على هذا الخط تُعتبر هي المارقة، كإيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا وكوبا وغيرها من الدول المعارضة لسياسات أمريكا العالمية. وزادت أمريكا مروقاً بعد تولي بوش الابن سدة الرئاسة، بفضل بطانته المتطرفة من المحافظين الجدد كما هو معروف.. بل إن سياسة الجزرة والعصا لم تعد هي السياسة السائدة، التي عادة ما يتبنَّاها الأقوياء الأغنياء، وإنما سادت في عهد إدارة بوش سياسة العصا والخيزران، فالمخالف يُضرب على رأسه بالعصا، والمعارض يُجلد بالسوط. وهذه المشاكل التي تخلقها أمريكا بمروقها يجعلها متورطة في نزاعات عدة، وبالتالي تضطر إلى إرسال قواتها في كل الجهات مما يعني زيادة في التسلُّح والتكلفة الدفاعية التي قد تتجاوز قدراتها على المدى البعيد، وكما ذكر خبير من عائلة كيندي في كتابه (نهاية الإمبراطوريات) أو ما شابه هذا الاسم، فإن هذا قد يكون سبباً رئيساً في غرقها وانهيارها، إن لم يكن أحد الأسباب، وعندها يصبح غرقها عبرة لمن هم على البر، من يمرق... يغرق!!