بما أن مشكلتنا مع الأفعال والأقوال والمواقف غير المنصفة بل المندسة في شؤوننا العربية والإسلامية من قبل الإدارة الأمريكية وليست مع الشعب الأمريكي ولا مع إنجازه العلمي وتنوعه الثقافي فإنني لا أتورع دون وخز ضميري كما لو - لا سمح الله - قبلت بالحديث إلى قنات الحرة, عن استخدام مثل أمريكي طالما أثار شجني خاصة عندما كنت طالبة صغيرة بمدينة بورتلاند من ولاية أوريجن بالشمال الغربي الأمريكي وهو ذلك المثل القائل (U can take the child out of the ghetto but u can not take the ghetto out of the child)، وهذا المثل يعني في ترجمة تقريبية (بأنك تستطيع أن تنتزع الطفل من الحارة ولكنك لا تستطيع أن تنزع الحارة من الطفل). وإذ كان ذلك المثل يذكرني وقتها حين كنت أمتطي صهوة الغربة وأركض على طرقات غير آهلة إلا بالفضول المعرفي والعنفوان بحنيني الجارح لأرض الربع الغالي واندلاع الشمس من جبهة أبي ومحيا أمي على امتداد رمضاء وماء أرض الجزيرة, فإن هذا المثل طالما يفز من شريط الذاكرة وينتفض أمامي على شاشة الكمبيوتر كلما هاتفوني باليمامة في قضية أو تحقيق أو استكتاب وسواء أوفيت أو لم تسعفني مشاغلي فإنني لا أملك أن أحمل ذلك التواصل إلا على محمل الوفاء، وربما ذلك الخيط من الوفاء هو ما يجعلني أشعر بأن المثل أعلاه يكاد ينطبق على علاقتي بمجلة اليمامة. فمجلة اليمامة بالنسبة لي وربما لعدد من أبناء جيلي كانت ومازالت رمزاً لأرض اليمامة كما كانت ولا زالت رمزاً لذلك الرجل المغامر الذي تجرأ على إنشاء أول مجلة سياسية اجتماعية ثقافية تخرج على عتمة العزلة حين قام العلامة حمد الجاسر - رحمه الله - بتأسيسها كما تمد عشبة ندية عودها من أظلاف الصخر. ومجلة اليمامة بالنسبة لتجربتي الكتابية الأولى هي تلك المجلة التي انضممت إليها برعماً شوكياً لم يستدر بعد حين كانت تضم باقة من الأقلام التي سجلت بحبرها ردحاً من التاريخ الصحفي والثقافي المحلي في مرحلة التفتح على الأفق العربي أ. محمد الشدي رئيس جمعية الثقافة والفنون حالياً الذي كان وقتها رئيساً إريحياً للتحرير, أ. علوي الصافي الذي تحول فيما بعد لرئاسة تحرير مجلة الفيصل, ود. خيرية السقاف التي كانت أول امرأة سعودية تشرف على إصدار ملحق خاص بالمرأة وذلك هو ملحق (هي) قبل أن تصبح أول امرأة تتولى منصب مدير تحرير بالرياض, وأ. سعد الحميدين الذي أدركته غواية الشعر فلم يكتف بالإشراف الثقافي باليمامة ونقل فيروسها إلى الملحق الثقافي بالرياض بل ذهب لاقتراف أول إصدار في قصيدة التفعيلة والشعر الحر بالمملكة بالتآخي والتزامن الإبداعي مع الشاعر (مسافر) أحمد الصالح. واليمامة أيضاً هي تلك المجلة التي جاءها ذلك الأكاديمي البدوي من السوربون د. فهد الحارثي فحول حنجرتها إلى تغريد متعدد الأصوات بوجود عبدالله القرعاوي وفهد العريفي يرحمهما الله وبمشاغبات وجدية داود الشريان وعبدالله الصيخان ومحمد الحربي وسعد الدوسري وصالح العزاز رحمه الله، وإدريس الدريس وعبدالعزيز المنصور وسواعد أخرى لوحتها تجربة العمل باليمامة بألوان الطيف السبعة. اليمامة إذن هي جزء من ذاكرتنا الجمعية ما قبل وما بعد جزر ومد البترول وفي أوقات الرخاء والشدة معاً، فهل لنا إلا نتوقع وهي في طور التجديد أن يكون لليمامة مستقبل يضاهي ماضيها ويكون استمراراً له وتفوق عليه في نفس الوقت؟ ولابد أن طرح مشروع تطوير مجلة اليمامة في هذه المرحلة الإصلاحية الهامة من تاريخ البلاد يعطيها فرصة ذهبية للتميز بأن تكون منبراً نزيهاً يعبر عن صوت المواطن وشواغله ويشكل جسراً بين مطالب الواقع الاجتماعي وأصحاب القرار في المواقع المختلفة. إن اليمامة استطاعت أن تصمد لسنوات كمجلة رصينة في الوقت الذي اختطفت الأبصار تلك المجلات الملونة المتعيشة على صور النساء وأخبار الوسط الفني وصفحات الأبراج. كما أن مجلة اليمامة باستثناء الوجود المتذبذب في الجودة والاستمرارية لمجلتي إقرأ بالمنطقة الغربية ومجلة الشرق بالمنطقة الشرقية تكاد تكون المجلة الوحيدة محلياً التي لازالت تحظى بالحضور وبمتابعة القارئ. وإذا كانت مجلة اليمامة قد نجحت في الماضي القريب في الاحتفاظ بشعرة معاوية بينها وبين القراء فإننا نسر بكل الحب الذي نحمله لها كأول مجلة من أرض اليمامة لعهد يوغل مبتعداً بأن تلك الوصفة السحرية لم يعد لها نفس المفعول في ربط القارئ بها ما لم تحول القارئ إلى شريك فعال في هذه العلاقة، وهذا لن يكون ممكناً ما لم تكن المجلة تمثيلاً صريحاً لقضاياه وتعبيراً حراً عن آرائه وأحلامه. فهل تواكب اليمامة تحديات مرحلة الإصلاح وقد خطت على طريق التجدد والتغيير؟.. وهو سؤال لا يوجه إلى اليمامة وحدها بل يواجه معظم مطبوعاتنا اليومية والأسبوعية إذ أن تحديتنا الصحفية ليست سهلة خاصة في عصر الكاميرا الرقمية التي أصبح فيها كل شيء بما في ذلك المطبوعات قابل لتغيير السحنة الصحفية في ثوان مما يجعل سؤال المضمون في خطر. فإذا عرفنا أن كبريات الصحف والمجلات الغربية والأمريكية كما كتب مؤخراً لا يكاد يصمد منها خاصة في ظل المنافسة الإلكترونية/ الشبكية القوية إلا تلك التي استطاعت أن تبني لها تاريخاً ومستقبلاً من التميز في الطرح بما لا يجعل القراء يشترونها لمجرد قراءة الخبر أو لفرجة البهرج والألوان بل لذلك الشيء الذي تتميز به كأن يكون لها كوكبة من الكتاب الذين يصدقون القارئ أو يكون لها مصداقية في الرأي أو جراة في النقد أو قدرة على ابتكار رؤى تجديدية أو اكتشاف بعد خامس للعلاقة بالقارئ, عرفنا ما قد تعانيه مطبوعاتنا من حرج في هذا المجال. على أن اجتراح تجديد جاد ربما يكون المخرج الذي يصعب تجنبه لأي مطبوعة تريد أن تكسب الرهان. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد. * تحية للزميل زياد الدريس في موقعه الجديد باليونسكو وأذكره أنني في آخر مرة دخلت ذلك المبنى الجميل في باريس دهشت كيف تحاول الكثير من الشعوب أن يكون لها تمثيل تشكيلي أو نحتي أو شعري في مناخات ذلك المبنى فطفقت أفتش عن صورة تشبه حرقة الشمس أو ندرة المطر عن فنوننا وآدابنا، فلربما الآن يتاح لنا أن نحضر بغير الزار والطار وحدهما، كثيرون هم الموظفون ولكن قلة من يعملون. * تحية للزميل العزيز سعد الدوسري على شجاعته في مقاله بجريدة الرياض الأسبوع الماضي الذي جاء بعنوان (الاعتذار)، فعلى عكس ما ذهب إليه الكثير من الزملاء من التساؤل وأحيانا الاستنكار لمقال سعد الذي يشير فيه إلى القطيعة مع بعض كتاباته، فإنني أرى في موقفه جرأة المراجعة التي ليس لكاتب أن يستغني عن قسوتها بين حين وآخر لتجيد خلايا النخل. لماذا علينا أن نقاطع قناة الحرة؟ هل لأن هذه القناة اسم على غير مسمى؟ هل لأنها قناة تنتمي إلى حكومة يحتل جيشها جزءاً من الأرض العربية؟