تواجه المجلات الأسبوعية في العالم أجمع خطر التوقف، لم يعد ثمة قراء يملكون الصبر لانتظار المعلومة أو المادة الصحفية لمدة سبعة أيام بلياليها في الوقت الذي تصلهم فيه المعلومات والمواد والصور كل ثانية عبر شبكة الإنترنت، الجرائد اليومية الكبرى فقط هي التي تصمد أمام هذا الطوفان المعلوماتي المتدفق عبر شاشات الكمبيوتر والجوال؟!، لذلك تساقطت مجلات أسبوعية كثيرة بعضها متخصصة وبعضها شاملة لأنها لم تستطع أن تواكب المتغيرات السريعة في دنيا الإعلام ولكن في الوقت ذاته استطاع عدد لا بأس به من المجلات الأسبوعية الرهان على عراقتها ومكانتها لدى قرائها فأعادت ابتكار نفسها بما يتناسب مع تحولات العصر وحافظت على القراء والمعلنين. واليوم تنتشر أخبار عن توقف مجلة اليمامة أحد أشهر الأسبوعيات في المملكة ومنطقة الخليج عن الصدور بقرار من مؤسسة اليمامة الصحفية التي يبدو أنها ستكتفي باسم (اليمامة) وتترك المجلة معتمدة على جريدتها اليومية الشهيرة (الرياض)، والحق أن توقف اليمامة عن الصدور هو حدث إعلامي وثقافي حزين فهذه المجلة التي أسسها العلامة حمد الجاسر – رحمه الله – لتكون أول مطبوعة صحفية في المنطقة الوسطى كانت أحد المنابر المهمة التي تركت أثرها العميق في وعي الأجيال المتعاقبة. وقد واجهت اليمامة – منذ تأسيسها – جبالا من التحديات ويكفي أنها كانت في يوم بعيد مثل زهرة وحيدة في صحراء قاحلة تواجه الرياح من كل حدب وصوب ولكن مؤسسها الشيخ حمد الجاسر كان رجلا يندر أن يجود بمثله الزمان، حيث نجح في التغلب على صعوبات الزمان والمكان من أجل أن تبقى الكلمة وتضيء الفكرة، وحتى حين أصبحت اليمامة المجلة الأشهر والأكثر حضورها في الأسواق في ثمانينات القرن العشرين حين كان يرأس تحريرها الدكتور فهد العرابي الحارثي فقد واجهت تحديات لا حصر لها حيث اعتبرها المتشددون معقلا للحداثيين كما أن معادلات السوق الصحفية في ذلك الوقت كانت تصب في صالح المجلات الخليجية المصورة بينما كانت تواجه اليمامة موانع رقابة صارمة فيما يتعلق بنشر الصور وخصوصا صور النساء، ولكن اليمامة اعتمدت على الكلمة المبدعة والصورة التعبيرية واللوحة التشكيلية والمانشيت الماكر ونجح مخرجها الفني في تجاوز عقدة الصورة التي تحتاجها كل مجلة في العالم من خلال إيجاد صورته الخاصة ومساحاته اللونية المبتكرة. كانت ميزة اليمامة التي تتفوق فيها على كل المجلات الخليجية المنافسة قبل ربع قرن أن تلك المجلات كانت تعتمد في تحقيقاتها وحواراتها على مكاتبها في القاهرة ودمشق وبيروت، بينما كانت اليمامة تقدم مادة حية قريبة من هموم المجتمع، وفي الوقت الذي كان ينصب فيه تركيز تلك المجلات التي تستحوذ على السوق بصورة فتاة الغلاف وصفحة هواة المراسلة كانت اليمامة تبحث عن المقال المتميز والقصيدة الرائعة والقضية العميقة. ثمة عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين السعوديين البارزين اليوم تخرجوا من مدرسة مجلة اليمامة، وثمة جيل من المثقفين والأدباء الذين شكلت مجلة اليمامة محطة هامة في مسيرتهم الإبداعية، لذلك فإن الخسارة الثقافية المترتبة على توقفها قد تكون أكبر من الخسائر المالية المترتبة على صدورها، صحيح أن اليمامة في سنواتها الأخيرة كانت يمامة بلا أجنحة وغير قادرة على الطيران في هذه الفضاءات الجديدة وهذا بالطبع كان له أثره المباشر على وضعها في السوق ولكن قد يكون الحل في تصحيح المسيرة وليس التوقف عن الصدور !.