رحم الله الشيخ عثمان الصالح الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى مساء يوم الجمعة 24-2-1427ه، فلقد كان لوفاته رنة حزن وأسى في قلوب محبيه وعارفي فضله وهم كثيرون جداً جداً وذلك لما كان يتمتع به الشيخ من خلق كريم وصفات نبيلة ولما قدمه لوطنه ومواطنيه من أعمالٍ عظيمة وخدمات جليلة في مجالات عديدة ومراحل مختلفة وخصوصاً في مجال التربية والتعليم والثقافة والأدب وغيرها من المجالات. وعثمان الصالح علمٌ من أعلام هذه البلاد ووجهٌ من وجوه هذا المجتمع نعرفه (علماً في رأسه نار) فمتى يا تُرى وكيف تعرف على (علم في رأسه لمبة) مثل كاتب هذه السطور إليكم القصة باختصار شديد: لقد نشرت لي جريدة الندوة في ملحقها الأدبي العدد 9535 الصادر يوم الأحد 10- 11-1410ه الذي كان يشرف عليه الكاتب والأديب محمد موسم المفرجي -رحمه الله- نشرت لي قصيدة بعنوان (حي أبها) جاء في بعض أبياتها التي أخاطب فيها قريتي: كيف أنسى تلك الربا والمغاني ولها بالفؤاد مليون ذكرى كل ذكرى مرسومة بخيالي وخيالي يصوغها اليوم شعرا يا سقا الله يا رعى الله أرضا عشت فيها مع الأحبة عمرا نزرع الحب في جفون الليالي ثم نسمو به عفافاً وطهرا هي حلم الشباب في عنفواني إذ بلغت بها ثماناً وعشرا يوم أسقيت وردها من حناني ولثمت الشذا المضمخ عطرا أي ذكرى تعيدني لزماني ومكاني حتى ولو صار قفرا أيها الراحلون مني إليها بلغوها أزكى السلام وشكرا لقد علق الشيخ على قصيدتي هذه في ملحق الندوة الأدبي الصادر يوم الأحد 14 محرم عام 1411ه قائلاً: (لله در محمد حسن العمري في تحيته لأبها) وبعد أن أورد عدداً من الأبيات علق عليها بقوله (إنه شاعر في حسن الصياغة وفي تصوير العواطف وسهولة القافية مع جرسها وانسجامها مع المعنى وأجده في نظري من الشعراء البارزين إن جد فيه). وقد سرني بهذا الكلام وأثلج صدري خصوصاً أنه صادر من أديب بحجم عثمان الصالح الذي يشجع الناشئين ويشد على أيديهم وهي عادة له ولغيره من الأدباء الكبار في كل زمان ومكان. ولما جمعت قصائدي فيما بعد وعزمت على إصدارها في ديوان خطر ببالي أن اتعرف على الشيخ عثمان وان أذكّره بما كتبه وما علق به على قصيدتي المذكورة وبالفعل سألت عن منزله وذهبت إليه وقدمت له نفسي قائلاً: (هذا المعيدي الذي تسمع به.. إلخ) وطلبت منه أن يكون تعليقه على قصيدتي مقدمة لديواني الجديد فرحب بذلك ولكنه طلب أن تبقى مسودة الديوان عنده لمدة أسبوع أو أسبوعين وان أعود إليه بعد المدة المحددة، وعدت إليه بعد المدة المحددة ووجدت (مقدمة ابن خلدون) وهذا هو الاسم الذي أطلقته على مقدمة الشيخ عثمان الصالح لديواني الأول (شروق الشوق) ومن هنا بدأت معرفتي بالشيخ عثمان الصالح وتوثقت صلتي به حيث وجدته واسع المعرفة متعدد المواهب الأدبية كريم الصفات محباً للخير مثالاً للاستقامة والصلاح يتجلى ذلك في علاقته بالناس وتعامله الحسن مع الصغير والكبير كما يظهر ذلك بوضوح في بشاشته وسماحته وخلقه الكريم الذي يلقى به جميع رواد ندوته الأدبية التي كانت تُقام مساء الاثنين من كل أسبوع والتي سعدت بحضور معظمها ان لم تكن كلها حيث كان الشيخ يضفي عليها من وقاره ومن أدبه الجم وخلقه الكريم ومن حب الناس له وحبه للناس مما يجعلها من أحسن وأجمل الندوات الأدبية التي عرفتها. رحم الله الشيخ عثمان الصالح الذي ينطبق عليه قول الشاعر: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع