إن تطبيق إدارة الجودة الشاملة في العديد من المؤسسات التعليمية في أمريكا وأوروبا ساهم بدرجة كبيرة في نجاح هذه المؤسسات في تحقيق أهدافها بدون إحداث هدر تربوي، ولبت إدارة الجودة الشاملة رغبات المتدربين وأولياء الأمور والمجتمع والمدربين، بالإضافة إلى تحسين طرق التدريس ووسائل التقويم وتصميم مناهج تربوية تلائم عمليات التعلم الذاتي، وهذا يتطلب توفير الجهد والصبر على تحقيق النتائج بدون استعجال من قبل كافة المستويات الإدارية على اعتبار أن التعلم هو عملية مستمرة مدى الحياة، ويتطلب أيضاً توافر أنماط قيادية تؤمن بأهمية المشاركة والتعاون بين جميع المدربين ويسود بينهم التقدير والاحترام ويتمتعون بروح معنوية عالية ودافعية نحو التغيير للأفضل، يقول علي الطنطاوي رحمه الله: (إن نظام التعليم كالبيت العتيق الخرب، المختل الهندسة، الذي لا يفتأ أصحابه يتعهدونه بالترميم والإصلاح ولكنهم لا يجرؤون على هدمه من أساسه وبنائه من جديد على هندسة صالحة، ونمط صحي نافع) (انظر: علي الطنطاوي، في سبيل الإصلاح). وفي هذا السياق لم يعد خافياً على الباحثين والقيادات التعليمية أهمية الجودة ودورها في رفع مستوى العملية التعليمية والارتقاء بأداء المؤسسة التعليمية، وتحقيق أهدافها بعوائد أفضل وتكاليف أقل، بل إن الالتزام بمعايير الجودة غدا من ضرورات البقاء لمؤسسات التعليم التقني كياناً وسمعةً، في وقت لم يعد فيه (عدد الخريجين) وحده مقياس الكفاءة ومعيار الأداء. ويسهم التعليم التقني في المملكة العربية السعودية بشكل فاعل وقوي في رفد سوق العمل بالكفاءات الوطنية المدربة، من خلال أكثر من مائة وحدة تعليمية وتدريبية مختلفة تنتشر في عرض المملكة العربية السعودية وطولها، ينتظم فيها ما ينوف عن خمسة وسبعين ألفاً من المتدربين، يقوم على تعليمهم أكثر من ستة آلاف من المدربين، يتم كله تحت مظلة المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وفيما يختص بوحدات التعليم الفني والتقني العالي في المؤسسة، فهي تتمثل بالكليات التقنية التي يزيد عددها عن ثلاثين كلية تمنح درجة الدبلوم الجامعي المتوسط، وكليتين للاتصالات في كل من الرياضوجدة، وتمنح الكلية التقنية في الرياض درجة البكالوريوس في بعض التخصصات الهندسية والتقنية، وهناك ما يزيد على خمس عشرة كلية تقنية للبنات ستفتح قريباً، لهذا تنبع أهمية (ثقافة الجودة) لما لها من الأثر الكبير بعد توفيق الله عز وجل في رفع مستوى المدربين وبالتالي مخرجات التعليم وهم المتدربون، وفي هذا الاتجاه يقول الباحث إبراهيم طه: (تمثل الجودة أحد أبرز اهتمامات المؤسسة العامة للتعليم الفني، حيث تعول عليها في رفع كفاءة الوحدات التعليمية والتدريبية التابعة لها، ويتمثل ذلك من خلال وجود إدارة خاصة في مقر الإدارة العامة للمؤسسة تختص بالتطوير الإداري والجودة، وأخرى هي إدارة الجودة الشاملة، وتسعى المؤسسة للوصول بالعملية التدريبية إلى أعلى مفاهيم الجودة العالمية من خلال تحديد معايير وضوابط لمخرجات التعليم الفني على كافة المستويات). من أجل هذا سنحاول الإجابة على السؤال الذي ذكرناه في المقالة السابقة (الآفاق الحديثة في التعليم التقني تتبنى (ثقافة الجودة)، الجزيرة، العدد 12140) ألا وهو التصور المقترح لتطوير كفايات المدربين في الكليات التقنية في ضوء إدارة الجودة في التعليم (TQE)؟. يرى بعض الباحثين أن إدارة الجودة الشاملة في التعليم أكثر ملاءمة للكليات والجامعات من النظم الإدارية الأخرى (Lawrence, Lozier)، لكن النجاح في تطبيق الجودة الشاملة لا يتحقق بسهولة، لهذا يبين Da (vid Entin, 1994 ) أنه من بين عشر كليات بدأت في تطبيق الجودة الشاملة في منطقة بوسطن في أمريكا عام 1992م، لاحظ بعد سنة ونصف أن خمساً منها أوقفت أو أجلت المشروع، وأربعاً نجحت في تطبيق الجودة الشاملة في مجالات معدودة، ومن بين تلك الأربع اثنتان قصرتا التطبيق على مجالات إدارية بحته غير أكاديمية، بينما نجحت العاشرة فقط في المضي على طريق الجودة الشاملة كأسلوب حياة فيها. في ضوء إقدام المؤسسة على تطبيق إدارة الجودة الشاملة في التعليم الفني للنهوض بالمستوى التعليمي فإن للمدربين دوراً مهماً في عمليات تطبيق وتنفيذ البرنامج لكونهم هم الحلقة الوسطي والأهم بين المدخلات التعليمية والمخرجات وهي المتدربون، كما أن المدربين يمثلون جسراً يربط الكلية بالإدارة العليا وما تمثله من فلسفة شمولية وأهدافه إستراتيجية، فالمدربون لهم دور جوهري في إنجاح أو فشل البرنامج لأنهم هم الذين يتعاملون بشكل مباشر مع أهم مخرجات العملية التعليمية وهم المتدربون الذين يعتبرون محور العملية التعليمية، وكذلك مع أهم المدخلات الأساسية للنظام التعليمي والتي تتمثل في المناهج والإدارة بسياستها وأهدافها، لذلك فقد حظي تأهيل المدربين في التعليم الفني بأهمية كبيرة في العصر الحديث وذلك لأهمية الدور الذي يؤدونه في عملية التعليم، فهم ركن أساسي في النظام التعليمي، حيث تكتسب الكليات شيئاً من سمعتها وشهرتها الفنية من الصفات والمميزات التي يمتلكها المدربون في كافة المجالات الأكاديمية والمهنية والثقافية والإنسانية والبحثية، كما أن نجاح المنظمة في تطبيق فلسفة الجودة وبرامجها يعود إلى توفر مدربين يمتلكون كفايات ومهارات كافية تجعلهم قادرين على إحداث التطور والتحسين للنظام التعليمي الفني في كافة المجالات لمواكبة التطور العلمي الحديث. وهنا نشير إلى أن نظرة المجتمع إلى التعليم التقني - فمثلاً بالكليات التقنية - ترتكز على على عدة أمور أهمها: - نوعية ومهارة المتدرب الخريج والذي سيكون في المستقبل أمل الأمة في التغيير والتطور والبناء. - قدرة الكلية على خدمة المجتمع من خلال القيام بالأبحاث الأساسية والميدانية التي تسهم في تطور المنتجات والخدمات وحل المشاكل القائمة بعيداً عن الشكلية والنظرية التي تتسم بها بعض الأبحاث. - قدرة الكليات التنافسية لتقديم الخدمة والمشورة لكافة عناصر المجتمع، وفي كافة المجالات العلمية والتكنولوجية. - قدرات وكفايات المدربين في الكليات والتي تؤهلهم للقيام بالأدوار المطلوبة منهم في التطوير والتحسين. هذا وإن تضمنت هذه المقالة بعض الجوانب ذات الصلة بالسؤال المحدد حول كفايات المدربين وأثر ذلك على الجودة وتطبيقها، فإننا نحتاج إلى مزيد البسط للإجابة على ذلك السؤال من خلال الجزء الثاني.. (يتبع). * عضو هيئة التدريس في الكلية التقنية في بريدة