ست سنوات منذ تأسيس "الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي" لتكون الجهة المسؤولة عن شؤون الاعتماد الأكاديمي في مؤسسات التعليم فوق الثانوي عدا التعليم العسكري. لتسليط الضوء على هذه الهيئة كان هذا الحوار مع أمينها العام الدكتور عبدالله بن عبدالكريم المسلم : * ما هي الأسباب التي دعت لإنشاء الهيئة، وما هي المهام التي تقوم بها؟ - إيماناً بأهمية التعليم العالي كأحد مرتكزات التنمية في بلادنا الحبيبة، فإن المملكة تسعى دائماً لتواكب مسيرة التعليم العالمية لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية. وقد أكدت وثيقة السياسة العامة للتعليم في عدد من موادها، وكذا خطط التنمية، على أهمية توافق مخرجات التعليم العالي مع متطلبات التنمية بما من شأنه أن يسدّ حاجات المجتمع من التخصصات في مختلف اتجاهاتها وأبعادها، وتوطين العلوم والتقنية، وإعداد وتأهيل الشباب للعمل المنتج، وذلك بتوجيهات ودعم من خادم الحرمين الشريفين– حفظه الله – لمسيرة التعليم العالي في المملكة من أجل الوصول إلى أفضل المستويات التعليمية والمهنية لخريجينا، وتحقيق أفضل العطاء لوطننا الغالي، ومن أجل التأكيد على جودة مخرجات التعليم فوق الثانوي في المملكة بجميع مستوياته، وإجراء عمليات التقويم الموضوعية والشاملة لمخرجات المؤسسات التعليمية، وضمان الجودة في أقسامها وبرامجها العلمية، وفي أساليب الأداء والإجراءات الإدارية، من خلال الالتزام بأطر ومناهج ومعايير علمية لا تقل كفاءة عن تلك المطبقة عالمياً؛ كما أن التطور الكبير الذي يشهده التعليم العالي في المملكة والذي يتمثل في التوسع في إنشاء الجامعات وازدياد عدد الطلبة، وكذلك السماح للقطاع الخاص في الاستثمار في التعليم العالي، وذلك بإنشاء مؤسسات التعليم العالي الخاصة لتحمّل جزء من مسئولية التعليم العالي في جميع قطاعات المجتمع، جعل من الضروري ايجاد آليات للتحقق من متطلبات الجودة في مخرجات التعليم العالي، ووجود مؤشرات وضوابط محددة ومعايير علمية للتقويم والرقابة على الجودة النوعية وتطبيقها على جميع مؤسسات التعليم العالي دون استثناء لضمان مستوى تنظيمها وكفاءة أدائها ومصداقيتها. وقد استدعى الأمر في كثير من الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية الى إنشاء هيئات لتقوم بعملية تقويم واعتماد مؤسسات التعليم العالي لضمان جودتها، والتأكيد على مواءمتها وملاءمتها لمتطلبات التنمية البشرية، من هنا تأسست "الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي" بموجب الموافقة السامية الكريمة رقم 7/ب/6024 وتاريخ 9/2/1424ه، بحيث تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي، اعتماداً على دعم وإشراف مجلس التعليم العالي وتكون هي الجهة المسؤولة عن شؤون الاعتماد الأكاديمي في مؤسسات التعليم فوق الثانوي عدا التعليم العسكري. وللهيئة مجلس إدارة يتكون من 16 عضواً تم اختيارهم من الجهات الحكومية والجامعات والقطاع الخاص. وتتمثل مهام الهيئة الرئيسة في وضع المعايير والمقاييس والإجراءات الخاصة بالاعتماد وضمان الجودة، ومراجعة وتقويم الأداء في المؤسسات القائمة أو الجديدة، والاعتماد المؤسسي والاعتماد البرامجي، إضافة إلى العديد من النشاطات الأخرى التي تهدف إلى دعم وتحسين الجودة. * ما هي أبرز الخطوات التي تبنتها الهيئة في سبيل القيام بالمهام المسندة لها، وكيف تجدون استجابة الجامعات لها؟. - لقد وضعنا ثلاث مراحل لتأسيس الهيئة: المرحلة الأولى، خصصت لوضع المعايير والمقاييس والإجراءات الخاصة بعمليات ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي الوطنية. وقد قامت الهيئة خلال هذه المرحلة بإعداد الوثائق الخاصة بنظام ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي، وتمت مراجعة هذه الوثائق وفق آليات عديدة ومتنوعة، حيث استشارت الهيئة عند إعدادها لهذه المعايير مؤسسات التعليم العالي السعودية، كما استشارت عدداً من الخبراء الدوليين في مجال ضمان الجودة في عدد من البلدان ذات الأنظمة العريقة لضمان الجودة والاعتماد. واستخدمت هذه المعايير في برامج التدريب، وفي الدراسات الاستطلاعية، وفي المراجعات التطويرية، واستُخدمت كأداة للحكم على تأهل مؤسسات التعليم العالي الأهلية لبرنامج المنح. كما أن المعايير استخدمت لعدة سنوات في مؤسسات التعليم العالي في عمليات التقويم الذاتي الأولي. وخلال هذه الفترة كانت وثائق المعايير تعدل باستمرار، وأجريت بعض التعديلات والإضافات التي تجعل المعايير أكثر وضوحاً وأسهل في الاستخدام. وكخطوة أخيرة، فقد التمست الهيئة المشورة من فريق متميز من كبار المستشارين الدوليين الذين راجعوا الوثائق وأبدوا آراءهم ووافقوا عليها بالإجماع. وقد تضمن فريق الخبراء هذا كلاً من الرئيس التنفيذي لوكالة ضمان الجودة (QAA)، بالمملكة المتحدة، والمدير التنفيذي لهيئة الولايات الوسطى للتعليم العالي(MSACS)، بالولاياتالمتحدةالأمريكية، والرئيس السابق لجامعة ملبورن، بأستراليا، والرئيس السابق، والمدير الإداري، لهيئة الاعتماد الأمريكية لبرامج الهندسة والتقنية – (ABET)، ومدير هيئة الاعتماد الأكاديمي، بدولة الإمارات العربية المتحدة. الدكتور المسلم في حواره مع الزميل أحمد الشمالي أما المرحلة الثانية، وهي المرحلة الانتقالية، فقد وضعت لتأخذ بعين الاعتبار الوضع القائم لمؤسسات التعليم فوق الثانوي الذي يتطلب وجود هذه المرحلة بحيث يتم فيها مساعدة جميع هذه المؤسسات التعليمية على بناء أنظمة ضمان الجودة الداخلية فيها. وتقوم الهيئة بتقديم البرامج التدريبية والدعم الفني لهذه المؤسسات، كما تقوم باستكمال الاستعدادات اللازمة لإدخال عمليات التقويم الخارجي التي ستقوم بها فرق من خبراء عالميين يرافقهم خبراء محليين من أجل توطين الخبرة في هذا المجال. أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة تطبيق النظام بالكامل على جميع مؤسسات التعليم فوق الثانوي الحكومية والأهلية بصورة دورية، وقد بدأت هذه المرحلة مع بداية الفصل الأول من العام الدراسي 1430/1431ه بعد أن وضعت بعض مؤسسات التعليم العالي الإجراءات اللازمة لمراقبة وتحسين الجودة في جميع أنشطتها بصورة مستمرة، وقامت بإجراء دراسات ذاتية بصورة دورية لجميع الأعمال والأنشطة لديها سواء على المستوى المؤسسي أو على المستوى البرامجي . وقد كان من الملاحظ تفاعل معظم مؤسسات التعليم العالي مع متطلبات الهيئة وإجراءاتها. وكثير من المؤسسات قد انتهت من تأسيس أنظمة داخلية للجودة، ووضعت لنفسها خططا استراتيجية لتحسين الجودة، وحققت تقدما كبيراً في متطلبات الجودة. بل بعضها كما ذكرت أصبح جاهزا للتقويم والاعتماد الاكاديمي من قبل الهيئة. * ما هي نظرتكم المستقبلية لجودة التعليم العالي بالمملكة إذا ما قارناها بالمستوى الدولي؟ - التعليم العالي في المملكة مثل غيره في الدول المتقدمة والنامية يواجه تحديات مشتركة، ولكن لا يخفى على الجميع جهود وزارة التعليم العالي وحثها المتواصل لمؤسسات التعليم العالي على تحسين ترتيبها ضمن مؤسسات التعليم العالي العالمية وحصولها على الاعتماد الاكاديمي، وهذا يعطي انطباعاً بأن صناع القرار في بلدنا يدركون بعمق مفهوم الجودة وأهمية دعم مؤسسات التعليم العالي للحصول على الاعتماد الأكاديمي. وجامعاتنا في الواقع تمر بحراك غير مسبوق، الجميع يلحظ ذلك، والكل يتحدث عنه، بل يتطلع إلى نتائجه وحصاد ثماره. والتعليم العالي في بلدنا يسابق الزمن؛ لتحسين مواقعه التنموية، ومراكزه العالمية التنافسية. وذلك التطور يحتاج في مراحل معينة إلى إعادة صياغة الرؤى والأهداف والاستراتيجيات المبنية على تحليلٍ للواقع، وتبني ثقافة الجودة المبنية على الدلائل والبراهين ومؤشرات الأداء. إن على جامعاتنا أن تسعى إلى تعليم الطلبة على التعلم الذاتي وتدريبهم عليهم، وعلى التفكير الناقد، وعلى أسلوب البحث عن المعلومة، وعلى أسلوب حل المشكلات المستجدة التي قد تواجههم في حياتهم العملية. * ما أهم خططكم وبرامجكم التدريبية؟ - تعمل الهيئة جاهدة على تعزيز ثقافة الجودة، وعلى تدريب أكبر عدد ممكن من أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم فوق الثانوي على نظام ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي الوطني، وقد صممت ونفذت العديد من البرامج التدريبية داخل المملكة وخارجها. خلال العام الدراسي 1430ه قامت الهيئة بتنفيذ (21) برنامجاً تدريبياً روعي في تنفيذها إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من أعضاء هيئة التدريس. وشارك في هذه البرامج ما يزيد عن (1000) متدرب ومتدربة من منسوبي مؤسسات التعليم فوق الثانوي. ونظراً لتزايد وتنوع الاحتياجات التدريبية لمؤسسات التعليم العالي في المملكة؛ فان الهيئة تسعى إلى تشكيل فريق من الجامعات والعمل على تأهيلهم من خلال برنامج لتدريب المدربين؛ ليصبحوا مدربين محليين في مجال ضمان الجودة في التعليم العالي. وتأمل الهيئة من خلال هذا البرنامج أن تتمكن من تلبية كافة الاحتياجات التدربية لمختلف مؤسسات التعليم والتدريب فوق الثانوي. * ما هي أبرز الصعوبات التي تواجه تطبيق الجودة في التعليم العالي، وكيف يمكن تجاوزها؟ - إن المتابع لتبني ثقافة الجودة في الجامعات السعودية ليلحظ التقدم والتطوير والحراك الكبير الذي تعيشه الجامعات لبناء أنظمة جودة داخلية بها. ومما لا شك فيه أن ثقافة الجودة بمفهومها العملي وتطبيقاتها الحديثة تكتنفها بعض الصعوبات التي كانت واضحة في السنوات الخمس الماضية أكثر مما هي علية الآن. وقد كان من أبرز الصعوبات: عدم الوعي بمفهوم الجودة في التعليم العالي لدي بعض القيادات الإدارية وبعض أعضاء هيئة التدريس في بعض المؤسسات التعليمية، وتدني اسهامهم في برامج تطبيق أنظمة الجودة، وعدم وجود رؤى وأهداف واضحة لدى بعض هذه المؤسسات وبرامجها يساهم في صياغتها جميع منسوبي المؤسسة والاطراف ذات الصلة، وغياب التخطيط الاستراتيجي، وغياب الأدلة والبراهين ومؤشرات الأداء، والتركيز على العمل الفردي على حساب العمل الجماعي، ولا يعطى الطالب في بعض جامعاتنا فرصة كافية لممارسة الخبرات العملية؛ فكثير من البرامج قوية في الجانب النظري لكنها ضعيفة في الجانب التطبيقي. وبناء أنظمة جودة داخلية يتطلب قدراً من الوقت، والجهد، ودعم الإدارة العليا، والموارد اللازمة، فينبغي أن تهتم الإدارات العليا والمعنيين بصناعة القرار في مؤسسات التعليم العالي بتقديم الدعم، والمساندة، والتحفيز، وتشجيع الإنجاز الجيد على كافة المستويات، وأن تدمج عمليات ضمان الجودة في الأنشطة الاعتيادية وتصبح ثقافة يتبناها الجميع داخل المؤسسة، كما ينبغي تحقيق درجة عالية من الكفاءة في جمع وتحليل البيانات، وتهيئتها للاستخدام من خلال التغذية الراجعة في عمليات التقويم والتطوير على مستوى الوحدات التعليمية والإدارية، وتوفير مؤشرات للأداء الجيد. ولابد من التقويم المستمر للأداء داخل المؤسسة التعليمية وبرامجها وأنشطتها المختلفة، ووجود خطط استراتيجية يشارك في إعدادها وتنفيذها جميع المعنيين في المؤسسة، كما أنه من الضروري الاهتمام بعملية التعلم والتعليم وخاصة ما يتعلق بمخرجات تعلم الطلبة التي تعد المقياس الحقيقي لتحقيق رسالة المؤسسة التربوية. * ما هو دوركم المتوقع في حركة التطوير التي يشهدها التعليم العالي بالمملكة خصوصا مع زيادة عدد الجامعات والكليات الحكومية والخاصة وتنوع برامجها؟ - الهيئة تحمل تطلعات استراتيجية مستقبلية للمساهمة في تطوير التعليم العالي في المملكة وضمان مستوى عال من الجودة في مخرجاته. وسوف تعمل جنبا إلى جنب مع جميع مؤسسات التعليم فوق الثانوي لتحقيق أعلى مستويات الجودة فيها، فالهيئة تعد نفسها، في المقام الأول، شريك لهذه المؤسسات، وسوف تعمل على مساعدتها على رفع مستوى الجودة فيها، وتحسين فاعليتها، ودعم جهودها؛ للسير نحو التميز في إطار توافقها وانسجامها مع قيمنا واحتياجاتنا، ومع أفضل المعايير العالمية المرموقة. * ما هي طبيعة مشاركتكم في المعرض الدولي للتعليم العالي الذي يعقد هذه الأيام برعاية ملكية كريمة؟ - سوف تساهم الهيئة في نقل صورة واضحة عن النقلة النوعية والتطور الذي حدث في مجال التعليم العالي في المملكة، وتبين الجهود التي بذلت والدعم الكبير من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله- للارتقاء بجودة التعليم العالي. وسوف يكون للهيئة عرض يتضمن التعريف بالهيئة ومهامها وأبرز إنجازاتها.