المقالة السابقة كانت تجهد لأن تبرز طرفاً لحل ذلك السؤال العالق حول إيجاد تصور مقترح لكفايات المدربين في الكليات التقنية في ضوء إدارة الجودة في التعليم. وانتهت المقالة بنظرة المجتمع إلى التعليم التقني. وإذا كان تأهيل المدربين يمثل مرتكزاً محورياً لتحقيق الجودة الشاملة في التعليم فإنه ليس بالمرتكز الوحيد، ولا يمكن أن يتم تأهيلهم من دون أن يتمتعوا بقدر كافٍ من الاستقلال (Autonomy) والحرية في أداء العمل، وفي مناخ يتسم بالمرونة (Flexibility)؛ حتى يستطيع المدربون أن يستثمروا حصيلة تأهيلهم في قيادة وترسيخ عملية الجودة الفعلية. وفي نفس السياق يجب على المدربين أن يمتلكوا مهارات وكفايات أساسية تؤهلهم للقيام بالمهمات والأدوار المطلوبة منهم، وخصوصاً أن الكليات التقنية تعيش مراحل نمو مع حدوث تطورات متسارعة في المعرفة والتكنولوجيا، ومن أهمها إدارة الجودة الشاملة في التعليم التي فرضت نفسها على معظم المنظمات التعليمية التي ترغب في تطوير نفسها وتحقيق الريادة. وإن التعامل مع نظام الجودة المقترح يقتضي زيادة قدرات المنظمة التعليمية التقنية لتحسين جودة مخرجاتها وتطوير خدماتها المتنوعة للجميع، في إطار تنافسي بين تلك المنظمات التعليمية التقنية بدفع المزيد من التطوير والتحسين. وأرى أن المدربين بحاجة إلى امتلاك المزيد من المهارات والكفايات في ضوء إدارة الجودة الشاملة في التعليم التقني التي تتطلب توفير العديد من المقومات التي من أهمها ما يلي: 1- مدربون ذوو خصائص جديدة قادرون على الابتكار والتجديد بعيداً عن الخوف والتردد، ولديهم خبرات تربوية ومهنية، وقادرون على تبنِّي مفهوم العلاقات الإنسانية، ذلك أن المدربين لا ينتجون ولا يعملون إلا إذا كانوا معتدِّين بأنفسهم، واثقين بها. وهذه (العزة المهنية) هي عدة المدربين، فإذا خسروها لم يصلحوا بعدها لشيء. 2- تعزيز الانتماء بالنسبة إلى المدربين؛ حيث يجب أن يكون أكثر من مجرد عاطفي، إنه انتماء وطني، وبالتالي يؤدي إلى نهضة ورفعة هذا الوطن المعطاء. 3- إنشاء مجلس للكليات متخصص توكل إليه مهام وضع وتطبيق المعايير الوطنية للاعتماد وضمان الجودة (Accreditation and Quality Assurance in Education). 4- أن يكون لدى المدربين سلوكيات مميزة وثقافة تمكِّنهم من جعل المتدربين يستوعبون المفاهيم والمهارات الجديدة وتطويعها لخدمة مجتمعهم دون تدخل مباشر منهم، كما تفعله ريتا ماكبرايد الأمريكية المعروفة بأعمالها وتركيباتها؛ حيث تشرف الآن على مجموعة صغيرة من الطلاب، وهي توضح مبدأها في العمل بكل بساطة بقولها: (لا أقوم بتقييم أعمال طلابي؛ لأن ذلك يعيق تقدُّمهم. أقوم فقط بعرض مقترحاتي وأحاول معهم الوصول إلى حلول لها). 5- استخدام الجودة الشاملة في تحسين المنهاج والمدخلات ونمو المتدرب وتحسينه وأدوات التقويم ووسائله والهياكل التنظيمية والأبنية التعليمية. 6- التنبؤ بالعوامل والقوى التي تؤثر مستقبلياً على التعليم الفني؛ لاستيعابها بسرعة دون أن تحدث خللاً في نوعية التعليم المطلوب. 7- ضرورة البعد عن العوائق التي تقف حجر عثرة أم الجودة الشاملة، والتي ذكرتُ في مقال سابق تحت عنوان: عوائق الجودة في التعليم التقني (أصفار).. و(ثقافة الجودة) واحد. (الجزيرة، العدد 12149). 8- التمتع بالقدرات الملائمة في مجال الإبداع مع تمتعه بدرجة من الدينامية؛ حيث يقبل البرامج التعليمية الجديدة للمؤسسة التي يجب أن ينهض بها ويعمل على نجاحها. ومن منطلق مفهوم (النظم) يعد المدرب أحد المدخلات الأساسية في التعليم التقني، وعليه فلا بدَّ أن يتمتع بكفايات ضرورية لممارسة عمله وتحقيق الأهداف المطلوبة منه لخدمة الكلية والبيئة، وذلك في ضوء مفهوم الجودة الشاملة. ومن هذه الكفايات التي ننشد ونطالب بترسيخها في الطاقم التدريبي لدينا ما يلي (جميل نشوان: 2004م - بتصرُّف): 1- كفايات شخصية: وهي سمات أساسية تساعده على تحقيق أهدافه وأهداف الكلية والمجتمع بسهولة، مثل: الاتزان النفسي والعاطفي، تحمل المسؤولية، القدوة الحسنة، القدرة على الابتكار والتجديد وتقبل الأفكار، سعة الاطلاع بالمعرفة، بالإضافة إلى العديد من الصفات التي تتعلق بالمظهر وغيره. 2- كفايات فنية (مهنية): وتشمل: القدرة على التخطيط والتحليل، القدرة على اتخاذ القرارات بأسلوب علمي، تشخيص الخلل ومواقع الضعف وإيجاد طرق العلاج، الإعداد الجيد للمادة العلمية، تحديد الأهداف بصورة سليمة، القدرة على عرض المادة بتسلسل منطقي، استخدام أساليب غير تقليدية في الشرح، القدرة على استخدام وسائط التعلم، تنظيم الأفكار والحقائق والمفاهيم بدقة، إثارة المتدربين نحو التعلم، تزويد المتدربين بتغذية راجعة عن أدائهم في التعيينات والامتحانات الفصلية، القدرة على تصميم وإعداد اختبارات ذات مواصفات علمية سليمة. 3- كفايات أكاديمية: وتشمل: التمكن من المادة العلمية، الاطلاع على المصادر الحديثة المختلفة، سعة الاطلاع في مجال التخصص، الاطلاع على كل ما هو جديد في المعرفة، إدراك العلاقات بين المواد التعليمية المختلفة، القدرة على عمل أبحاث علمية تطبيقية لخدمة الكلية والمجتمع. 4- كفايات ثقافية: وتشمل: سعة الاطلاع على مواد مختلفة عن تخصصه، الاطلاع على المشكلات العالقة، المشاركة في المؤتمرات، متابعة البرامج المتعلقة بالمنظمة التقنية المعروضة في وسائل الإعلام، لديه معرفة بالعقيدة والتراث الإسلامي. 5- كفايات إدارية: وتتضمن: القدرة على ممارسة العمليات الإدارية كالتخطيط والتنظيم والرقابة والإشراف والاتصال والتواصل بطريق سليمة تراعي الحداثة في الأسلوب القيادي، استخدام العصف الذهني وغيرها من الأساليب التي ثبت نجاحها محلياً وعالمياً وما يترتب عليها من إقامة علاقات إنسانية؛ مثل: احترام وتقدير شعور المتدربين، التشجيع على حرية الرأي، التعاون وإقامة علاقات حسنة مع المتدربين والعاملين، الاهتمام بمشكلات المتدربين وأحوالهم. 6- كفايات إدارة الجودة الشاملة: إن المدربين هم جزء من نظام إداري لا يمكن أن يندرج سلوكهم بشكل منفرد عن باقي أجزاء النظام التعليمي، فإدارة الجودة الشاملة تتطلب تعاون ومشاركة المؤسسة العامة للتعليم الفني مع فريق تطوير إدارة الجودة الشاملة لتحسين فعاليتهم من خلال المزيد من التدريب المستمر والفعال، وبالتالي لا بدَّ من إضافة كفاية أخرى تتعلق بالجودة الشاملة وتطبيقها، وتتطلب هذه الكفاية توفر صفات قيادية لدى المدربين تمكِّنهم من الابتكار والتغيير من أجل الحصول على مخرجات تعليمية مناسبة. وإن وضع برنامج تأهيلي للمدربين لا بدَّ أن يستند إلى استيعاب واعٍ من قبل القيادات وإرادة جادة على اعتبار أن هذه ركيزة أساسية لإدارة الجودة في إطار التطبيق الفعال لمفهوم الجودة بعد استيعاب مراميها واعتبارها هماً أساسياً وتحدياً مصيرياً للنجاح والتطوير، وهذا ما نلمسه حالياً.ونحن ندعو إلى الجودة بمعاييرنا وثقافتنا الإسلامية، ونرفض الاقتباس العشوائي من الغرب، وهو ما يسميه البعض (التطعيم بحاجات أجنبية)، وذلك لأن سلوكاً كهذا يقود إلى جعل المسلم أجنبياً عن نفسه، عن ذويه، عن تاريخه، عن ثقافته، عن مستقبله الخاص (انظر: وعود الإسلام، مترجم، ص198). ولهذا ما أحوجنا اليوم إلى اقتباس ذكي وعمل إبداعي يمكننا من أن نضع الجودة في مسار التعليم التقني؛ حيث يلبي احتياج المملكة العربية السعودية من الخبرات والكفاءات الفنية المؤهلة تأهيلاً تقنياً عالياً في مختلف المجالات التي يتطلبها سوق العمل السعودي. هذه كلمة صغيرة في موضوع كبير، أعرف أنها لم تلمّ بأطراف الموضوع، ولم تستوفِ البحث فيه، وإنما هي جهد متواضع. (يتبع)..