تفاعلاً مع مقال الأخت الفاضلة سلوى أبو مدين الذي نشر في صفحة الرأي بعنوان (واقع القراءة في أمة اقرأ) والذي تحدثت فيه بحزن وأسى عن واقع القراءة الحرة، وكيف صار كل شيء في حياة الأمة أغلى من الكتاب! إنني أتفق مع أختي الفاضلة، وهناك كثير من الشواهد التي تؤكد رأيها، فمثلاً نسمع ونقرأ عن كثير من المهرجانات التي خصصت لأكبر (كبسة) وأكبر (بيتزا) وأكبر (شاورما) وأكبر (كرشة)!! أما مهرجان القراءة للجميع، والاحتفاء بالكتاب، ونشره وطبعه طبعات شعبية، رخيصة الثمن، وترويجه حتى يصل لجميع الفئات و.... أقول كل هذا نسمع به عند الدول الأخرى، ومنها دول أقل منا إمكانات!! ترى ما الأسباب؟؟ هل هي أسباب مادية؟ أم هو عدم وجود الطاقات والخبرات البشرية؟ أم هو الروتين والبيروقراطية؟ أم هو عدم الإيمان بأهمية القراءة عند أصحاب القرار في الجهات ذات العلاقة؟! إن القراءة تعد من أهم وسائط التعلم الإنساني، ومن خلالها يكتسب الإنسان العديد من المعارف والعلوم والأفكار، وهي تؤدي إلى تطوير الإنسان لنفسه وتفتح له عوالم كانت مغلقة أمامه، بعيدة عن متناوله. إن القراءة من أوسع مصادر العلم والمعرفة، ومن هنا حرصت الأمم الحية المتيقظة على نشر العلم، وتسهيل أسبابه وجعلت مفتاح ذلك كله تشجيع القراءة، والترغيب فيها ونشرها بين جميع الفئات. لقد كانت القراءة وما تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري، ومنجزاته ومخترعاته، وهي صفة تميز الشعوب المتقدمة التي تطمح للرقي والصدارة. عندما أطلق الروس قمرهم الصناعي الأول اهتزت الأوساط التربوية والعلمية في أمريكا، وعندما بحث الأمريكان في الأسباب، جاء الجواب الذي اعتمد على كثير من الدراسات: أن المدرسة الأمريكية أخفقت في غرس حب القراءة في نفوس تلاميذها!! إن أول كلمة نزلت على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هي كلمة اقرأ، وعلينا أن نفعل الدلالة العميقة لهذه الآية في صورة اكتشاف لأهمية العلم والمعرفة. يقول الدكتور عبدالكريم بكار:( أذهاننا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر، وإنما عبر وسيط معرفي، مكون من مبادئ علمية وعقلية وخبرات حياتية، وعلى مقدار ما نقرأ يتحسن ذلك الوسيط، وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود وتتحسن معه نوعية الحياة). ولذلك فمن لم يكن قارئاً فقد عطل وسائل تفكيره وإدراكه! عطل العقل الذي أعطاه الله إياه أمانة، ومن كان قارئاً محباً للقراءة، وقارئاً ناقداً؛ فإنه سيصبح بطلاً، وإنساناً شامخاً يستمتع بحياته أكثر من غيره! وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الإنسان القارئ أقل في المشكلات من غيره حتى مع زوجته! ولا نجد إنساناً عظيماً له وزنه في التاريخ إلا وجدت وراءه حباً في القراءة! ولو رحنا نبحث في حياة المتفوقين والذين أسهموا في تاريخ البشرية قديماً وحديثاً لوجدنا أنهم من المحبين للقراءة، والذين يفكرون فيما يقرؤون، ويميزون بين الصواب وغيره، ثم يضيفون إبداعاتهم إلى ما قرؤوه، وهذا ما يحقق لهم التفوق والإبداع. إن القراءة الواعية المثمرة ضرورة لكل إنسان، وهي من الأسس التي لا بد أن يمتلكها الإنسان، إن الإنسان الذي يقرأ إنسان ينمو، قادر على تطوير ذاته، والإنسان الذي لا يقرأ إنسان متوقف عن النمو!! إن القراءة تسمو بالمرء إلى أرقى درجات العلم والمعرفة والثقافة، لذلك مسكين الذي لا يقرأ.. إن القراءة تمكن الإنسان من بلوغ أرفع غاياته، وأغلى طموحاته وتساعده على بناء فكره!! وهي أداة من أدوات التنفيس للإنسان وإشباع حاجاته، وهي أداة لحل مشكلاته!! وقد أثبتت الأبحاث العلمية (أن القراءة تستخدم كعلاج من بعض الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب والملل، ولا سيما في عصر قد غلبت فيه القيم المادية، وضغوط الحياة المعاصرة، وصالات الأسهم!! قال رجل للإمام أحمد: إني أستوحش وحدي. فرد عليه الإمام قائلاً: ويلك أين الكتب عنك؟! ولما مرض أحد الأئمة أظنه الإمام أحمد، أو ابن القيم، دخل عليه الطبيب ووجده يقرأ من كتاب، فنصحه الطبيب بعدم القراءة حتى يشفى، فقال له الإمام: أليس عندكم في الطب أن الأشياء التي تدخل البهجة والفرح على المريض تساعد في شفائه؟ قال الطبيب بلى، قال الإمام: إذن دعني أقرأ؟ راشد بن محمد الشعلان