قصة: يحيى يخلف- رسوم: يوسف عبدلكي هبّتْ الرياح القوية فاقتلعت ساق القصب من الأرض وحملتها بعيداً. كانت ساقاً فارغة مجوّفة خفيفة، تنتقل من مكان إلى مكان، وكانت ترى أن الأشجار تحمل الثمار اللذيذة. والطيور الجميلة تغرد، والنهر يسقي الناس، والغيوم تمطر فتسقي الزرع. فتحسب أن كل الأشياء لها فائدة، إلا هي. تمنت ساق القصب أن تصبح شيئاً نافعاً، وأخيراً، أوصلتها الرياح إلى أحد الحقول، كان صاحب الحقل يحرث الأرض بمحراثٍ يجره ثورٌ، وعندما وقع بصره على ساق القصب قال: (هذه الساق تنفعني، أستطيع أن أضرب بها الثور إذا توقف عن العمل فيمشي). وهكذا تحولت ساق القصب إلى عصا في يد صاحب الأرض. لكنها حزنت، لأنها لا تريد أن تكون شيئاً مؤذياً. لذلك، حين هبّت الرياح ذهبت ساق القصب معها إلى مكان آخر. ألقت الرياح بساق القصب أمام صيّاد العصافير. هجم عليها صياد العصافير، وأمسك بها قائلاً: (غداً أكسر هذه الساق، وأصنع منها قفصاً أضع فيه العصافير الحية التي اصطادها). حزنت ساق القصب، لأنها ستصبح سجناً للعصافير، وهي لا تريد أن تصبح شيئاً مؤذياً. وما أن وضعها الصياد على الارض حتى حملتها الرياح، من جديد، إلى مكان آخر. ألقت الرياح بها أمام أطفال يلعبون في ساحة القرية، فهجم عليها الأطفال يلهون بها، وجعلوا يمتطونها كما لو كانت فرساً. فرحت ساق القصب. فها هي تدخل السعادة إلى قلوب الأطفال. إلا أن سعادتها لم تكتمل، إذ داس عليها أحد الأطفال، عن غير قصد، فانكسرت إلى قسمين. حزنت ساق القصب المكسورة، لأنها لم تعد صالحة. عندما عاد الأطفال إلى بيوتهم، جاء راعي الغنم، فابصر ساق القصب المكسورة الحزينة، فانحنى والتقط قسماً منها. وصل الراعي إلى بيته، فتناول السكين، وأخذ يقلّم طرفي قطعة الساق، ثم صنع لها عيوناً عدة، وما هي إلا ساعة حتى أصبحت ساق القصب المكسورة شبّابة ذات شكل جميل. حمل الراعي الشبّابة بيديه ثم قرّبها من فمه وأخذ يعزف عليها لحناً مرحاً. عند ذلك فرحت ساق القصب فرحاً كبيراً، لقد أصبحت شيئاً نافعاً.