الأصل في السياسة هو الصراع، والسلام هو الاستثناء، فالصراع غريزة والسلام وعي ورؤية، وما حدث في الشرق الأوسط على وجه الخصوص في العقد الأخير، كانت هناك أحداث جيوسياسية كبيرة جعلت هناك اختلال في موازين القوى في المنطقة، وتم تحويل دول إلى خراب والبعض الآخر إلى دول هشة، لا تستطيع أن تملك حق السيادة على موقعها الجغرافي، وبعض الدول استمر الفراغ السياسي فيها لسنوات، وكانت هذه نتيجة لتدخل القوى الخارجية في المنطقة بشكل عبثي وعشوائي هدفه تدمير المنطقة وإبقاؤها في صراعات مستمرة ومسلوبة الإرادة، فكان هناك المشروع الطائفي الذي يهدف إلى تصدير الثورة والمشروع الذي يسعى لإعادة الإرث الاستعماري والتدخل الدولي القائم على حد قولهم بالفوضى الخلاقة! وكانت كل هذه المشاريع تُزرع في الدول على شكل تنظيمات وأحزاب ومليشيات. وبما أن المملكة العربية السعودية هي المعنية بصون الأمن العربي بمكانتها العربية والإسلامية والعالمية التي جعلت منها مصدراً للقرار وبوصلة لعمليات السلام، فكان لزاماً عليها أن تكون صاحبة المبادرات التي تقود إلى الأمن والسلام على المستوى الإقليمي والدولي، فقد بادرت المملكة بالتصدي لتلك المشاريع الهدامة منذ بدايتها، فكانت المؤتمرات والاجتماعات والقمم على المستويات كافة تعقد في المملكة وتُدعم سياسيا واقتصادياً لدفع عمليات السلام في المنطقة، ومحاولات تجنيب المنطقة ويلات الحرب والأزمات، ولست هنا بصدد إحصاء الأعمال التي قامت بها المملكة في هذا الشأن؛ لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات وموسوعات، ولكن أريد أن أنوه عن الدور الريادي التي اتخذته المملكة على عاتقها في التصدي لتلك المشاريع التي عصفت بالمنطقة. فالمتابع اليوم لتحركات وزير خارجية المملكة يصل إلى نتيجة بأن هذا الوزير ليس وزيراً للخارجية السعودية فحسب بل هو وزير للخارجية العربية والإسلامية، فنجده بالأمس يحضر مؤتمر دافوس في سويسرا ويتحدث عن مطالب الفلسطينيين ووقف الحرب نهائياً، ويعرض مشاكل الشعب السوري ومطالباته للنهوض بالدولة بعد الإطاحة بالرئيس السابق، ويتحدث عن لبنان وأهمية دعمه بعد العملية السياسية الأخيرة، ويذهب بعد ذلك إلى لبنان في أول زيارة بعد انتخاب الرئيس اللبناني ويقدم الدعم للعملية السياسية، هناك وبعدها إلى دمشق للوقوف مع الشعب السوري والاستماع إلى مطالبه والعمل مع المجتمع الدولي في تنفيذ تلك المطالب. وهذا يأتي من رؤية الوزارة التي تنص على (دبلوماسية سعودية رائدة، لتحقيق المصالح الوطنية وحمايتها، وتعزيز دور المملكة في إحلال الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم)، ومن رسالتها العظيمة أيضاً التي تنص على (صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية بما يتماشى مع مبادئ المملكة، في سبيل حماية وتعزيز المصالح الوطنية ورعاية المواطنين والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم، من خلال كفاءات بشرية مؤهلة، ونظم تقنية ومعلوماتية متخصصة، وبرامج دبلوماسية فعالة). وتسعى المملكة دائماً وبشكل حثيث إلى المحافظة على الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي لكافة الدول العربية استناداً على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وترك حرية تقرير المصير للشعوب. واليوم باتت فكرة السلام الشامل في المنطقة ضرورة وليست خياراً، وصارت مصالح التوافق والتفاهم والتعايش أكبر بكثير من النزاعات والصراعات التي تكون نتائجها دائماً تؤدي الى التخلف والدمار والعودة الى الوراء، ومن هذا المنطلق قادت المملكة بحجمها ومكانتها وتأثيرها في المستوى الإقليمي والدولي التوجه إلى السلام الشامل ابتداء بطرح الحلول التي تقضي إلى سلام دائم في المنطقة وفي العالم بأسره. سوف يأتي ذلك اليوم الذي يعم السلام الوطن العربي والإسلامي والعالم أجمع، وتتكلل هذه الجهود بالنجاح بإذن الله.