كان لحدادٍ دكان. أغلقها يوماً عند انتهاء العمل كالعادة، وذهب الى بيته. يتألف دُكان الحدّاد من فرن للنار ومنفاخ لإشعار النار وإسعارها. لأنه من الضروري وجودها مشتعلة في الدكان لأنها تساعد على تليين الحديد فيتمكّن الحداد من طرقِهِ بمطرقته ثم تحويله الى الشكل المطلوب. وهكذا، نجدُ أن دكان الحداد يحتوي بالإضافة الى ذلك، على مطارق وملاقط وسندان لطرق الحديد عليه. بعد أن استتب الهدوء في الدكان. سُمع صوتٌ من داخل الفرن يقول: أنا... أنا إذا توقّفت عن الاشتعال يغلقُ دكّان الحدادة برمته، ويبقى الحداد من دون عمل، وبالتالي من دون لقمة عيش. التفت المنفاخُ ناحية الصوت وقال: من يتكلّم ويعكّر عليّ صفاء أجوائي بمثلِ هذا الكلام السخيف؟ أجاب الفرن: أنا الفرنُ، فرن الحداد، في داخلي تشتعل النار، وفي داخلي يضع الحداد قطعة الحديد فتحْمى وتحمرّ وتصبح لينةً... فيطرقها بمطرقته ويعطيها الشكل الذي يريده... أنا كل شيءٍ في هذا المكان. ضحك المنفاخ ثم قال: اسمعوا يا رفاقي... فرنُ الحدّادِ يتحدّاني ويدّعي أنه كل شيء في دكان الحداد... أنا من يحقّ لهُ أن يقول هذا القول... ردّ عليه الفرن قائلاً: أنت يا أبا الهواء... ما أنت إلا منفاخ وكلامك كله هواءٌ في هواء، وهراءٌ في هراء. قال المنفاخ: ماذا؟ أنا إذا توقّفتُ عن النّفخِ توقّف الفرن. ردّ الفرن: كلامُك غريب أيها المنفاخ! أجابهُ المنفاخ: اسمع... لوْلا المنفاخ لما قامت قائمة لنار الفرن ولا لدكان الحداد. وعلى جدل المنفاخ والفرن هبّت المطرقة تقول: لماذا هذا النقاش يا أصدقائي، هل نسيتُما فعلي؟ أنا المطرقة ولولاي لما طُرقَ الحديد، ولا تمكّنَ الحدّادُ من صُنعِ أي شيءٍ نافعٍ. وعلى هذا النقاش ضحك السّندان وقال: ماذا تدّعون يا رفاقي، أنا السّندان... أنا صاحب الفضل في هذا الدّكان. ولولا السّندان لما كان للحداد ان يكسب قوته ورزقه. فأنا أجعله ينعم بقِطَعِ الحديد التي يستعملها في أعماله. وفيما كان كل من الفرن والمنفاخ والمطرقة و السندان يزعم أنه الأساس في عمل الحداد، سمع نقاشهم المحراث. والمِحراث هو أداة من الحديد، يستعملها المزارع في حراثة أرضه، ويقلّب بها التراب ليزرع الحبَّ. أصغى المحراثُ الحديدي الذي اتخذ شكله النهائي بفضل زند الحدّاد ونار الفرن وهواءِ المنفاخ وطرق المطرقة له فوق السندان، وقال: لماذا هذا النقاش، فأنا لم أصلْ الى شكلي هذا إلا بفضلكم جميعاً، ولا يمكن الاستغناء عن أحد منكم، كلكم عملتم معاً، وحققتم هذه الأعمال الرائعة، أشكركم جميعاً، فلولاكم لما كنت موجوداً بينكم. فهمت عدة الحداد ما يقصده المحراث، وأدْركت أنها بتعاونها معاً تنجز كل الأعمال والمهمات التي يقوم بها الحداد. وأنه من دون هذا التعاون لا تستطيع أيّ منها تحقيق شيء، مهما كان صغيراً، وأصبحت منذ ذلك الوقت تتعاون بسرور لتُنجز اعمال الحداد ببراعة فائقة. ادوكارت الشرق الاوسط