كشفت دراسة سعودية نشرت في 2016، أن التفاخر والتعصب القبلي يعتبران من معوقات التنمية الاجتماعية، وتأثيراتهما في أغلبها سلبية، وأنهما يأتيان من باب الوجاهة، ولإظهار تفوق قبيلة على غيرها، ومن الأمثلة عليهما، في رأيي، مهرجانات مزاين الإبل، التي كانت تقيمها كل قبيلة بشكل منفرد في السابق، وبصورة لم تكن مرضية، بالنظر لما ترتب عليها من إثارة للعصبيات والنعرات القبلية، وهو ما جعل الدولة تقيم مهرجان المزاين بمعرفتها منذ قرابة 15 عاماً، وقد عرف في البداية بمهرجان أم رقيبة في 2010، قبل إلغائه عام 2015، ومن ثم إعادته باسم مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في 2017، وبهوية جامعة لكل القبائل تحت مظلة الدولة، وتم فيه استبدل التحيزات القبلية، بالهوية الوطنية الجامعة، وبما يتناسب ومتطلبات المدنية الحديثة ورؤية 2030. في المقابل، وقبل حوالي عشرين عاما كان أبناء القبائل في المملكة، ونتيجة لتصرفات قام بها بعض منسوبي المؤسسات الحكومية، يتعرضون لعنصرية علمية ومهنية وجغرافية، فلم تكن كلية الطب الوحيدة في الجامعات السعودية تقبلهم، في الفترة السابقة على القبول الإلكتروني، والتجاوزات العنصرية لم تقتلع من جذورها، إلا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولا يجرؤ أحد في الوقت الحالي على التورط فيها، لأن معيار التفضيل هو الكفاءة والأحقية، وليس الانتماء العرقي أو التمدن والبداوة والمكانة الاجتماعية، ولا يخلو الأمر من احتمالية استغلال الأخيرة لتبرير تصرفات معينة أو تسويغها. العصبية القبلية ليست أمرا مستحدثا، فقد كانت موجودة قبل الإسلام، وقد تسببت في حروب استمرت لمئات الأعوام، ومن أبرزها، حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس، وحرب الفجار، وحرب بعاث، والقبيلة تغيرت أدوارها في هذه الأيام، ولكنها مازالت مرتبطة بأبنائها، والمسألة لا تخص المملكة وحدها، فالثقافة القبلية حاضرة ومؤثرة في المشرق والمغرب العربي معاً، وتمارس دورا مهما في الانتخابات البرلمانية بدولتي الكويت والأردن، وفي ليبيا الحالية، تسيطر القبيلة على بعض آبار النفط، ولديها نفوذ جغرافي وحدود، وفي عراق ما بعد صدام، أصبحت بمثابة الرقم الصعب في المعادلة السياسية، وفي لبنان تحضر القبيلة في العائلة وفي الطائفة الدينية، وكلتاهما تؤثران في الحياة السياسية وتنصيب الأشخاص، ولا يتحقق الاستقرار وتستمر الحياة في اليمن، إلا بالتفاهم مع القبيلة، والحصول على مباركتها، أو شراء سكوتها. استكمالا لما تقدم، القبيلة في المملكة وبخلاف البقية في المنطقة العربية، بلا فاعلية تتجاوز رمزيتها، أو أدوارها كحاضنة اجتماعية، لأن بيت الحكم السعودي لا ترتبط بالقبيلة التقليدية، وجذرها الحضري يعود لمئتي عام قبل الرسالة المحمدية، ما يعني أنها تقف على مسافة واحدة من كل مكونات المجتمع السعودي، بخلاف أنها دولة مؤسسات، تعيد صياغة وتأثير النزعة القبيلة وتؤطرها، وتعزز الملكية الفردية ومسؤولية الشخص عن تصرفاته، بمعزل عن (لابته)، وهذا يدخل في التركيبة الجينية للدولة المدنية، التي تستند إلى السردية الوطنية الجامعة، مثلما يحدث في كندا والولايات المتحدة وأستراليا وأميركا اللاتينية، فكلها عبارة عن مجتمعات مهاجرة، تتشارك سردية واحدة في نظرتها وانتمائها للدولة. من الناحية التشريعية العصبية مضبوطة بحزمة من الأنظمة، أبرزها المادة 12 في النظام الأساسي للحكم، والمادتين 15 و17 من نظام الإجراءات الجزائية، والمادتين 5 و17 من نظام الإعلام المرئي والمسموع، والمادة 6 من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وعقوباتها إدارية وجنائية، وتتراوح ما بين الحبس لمدة عام إلى خمسة أعوام، وغرامة حدها الأدنى 500 ألف ريال أو 134 ألف دولار، والأعلى 10 ملايين ريال أو مليونين و667 ألف دولار، ومعها الإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وإلغاء الترخيص، وكلاهما يتعلق بالوسائط الإعلامية، وبالتالي فالتقصير في الجانب التشريعي غير موجود. إلا أنه ورغم ما سبق، مازالت هناك تصرفات فردية تعيد المشهد القديم في المملكة، وفي حدود 30 واقعة مرصودة عام 2024، وبالأخص بين الضيوف في البرامج الحوارية المهتمة بمهرجان المزاين، وفي رفع أعلام القبائل في المناسبات الوطنية كاليوم الوطني ويوم التأسيس، وفي بعض الشيلات والمسلسلات وشعر القلطة، وفي التسويق لافتتاح المقاهي الجديدة باسم القبيلة، ورغم أنها محدودة إلا أن وجودها في حد ذاته، يوجب العمل على خطة وطنية لضبطها على المستوى الاجتماعي، وفي التعليم والإعلام، وعلماء الاجتماع السعوديون يرون ضرورة تحويل القبائل إلى مؤسسات مجتمع مدني، لأنها تشتمل على جملة من القيم التي يمكن البناء عليها، وخصوصاً في تقوية اللحمة الوطنية، وفي قضايا الدم، بالإضافة إلى أنها كنمط تفكير، تقوم بدور مهم وحاسم في تهذيب سلوكيات أبنائها. نقلا عن الرياض