في الماضي كانت كلمة مؤامرة من الكلمات الأثيرة التي نرددها, كانت علاقتنا بها علاقة إيمانية فهي في الحقيقة جزء من العقيدة السياسية الرائجة في تلك الفترة, ولاشك أنها كانت منسجمة مع الروح السياسية السائدة في تلك الفترة، فالإنسان متهم دائما حتى لو أثبت براءته, وكانت عنواناً للأحداث الغامضة التي كانت تحدث في ذلك الزمان, وهي في الوقت نفسه تفسر كل المصائب السياسية التي تحل بالأمة, كانت تعطي تفسيراً مريحا لكل الأحداث, وهي تشبه إلى حد بعيد الأسطورة في علاقة الإنسان البدائي بغوامض الطبيعة, عندما كان الإنسان البدائي يواجه الطبيعة دون عقلانية ودون علمية، كان كل شيء يحتاج إلى خيال واسع لتبرير ما يحدث أمامه, وقد نسج الإنسان البدائي منظومة متكاملة من المعرفة مبنية على الأساطير مازلنا نحمل كثيرا من إرثها حتى يومنا هذا, ولكن في الآونة الأخيرة يبدو أن هذه العقيدة انقلبت إلى الضد, فقد بدأ عدد من الكتاب العرب يسفهون نظرية المؤامرة كما يسفه العلماء نظرية الأسطورة, فكما يؤمن كثير منا بأن الأسطورة لا تنطوي على أي شيء حقيقي، فإن أصحاب اللامؤامرة يرون أن التاريخ لم يعرف المؤامرة أبدا، وخصوصا تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, ولكي يبرهن هؤلاء على صدق دعواهم بدؤوا ليس في الدفاع عن وجهة نظرهم فحسب بل عن الصهيونية والمآسي اليهودية في أوربا وفي التاريخ, وهناك من تخصص في الدفاع عن الممارسات الإسرائيلية تحت دعوى محاربة نظرية المؤامرة وعقلنة التفكير العربي. لا يمكن أن يقبل هؤلاء كلمة مؤامرة على الإطلاق, في إحدى المرات شاهدت حوارا مع امرأة من الكاتبات اللندنيات اللاتي آمن بعقيدة اللامؤامرة, بعد أن سألها المذيع ألا ترين في موت دايانا سبنسر أي تآمر من قبل المخابرات البريطانية؟ لم أصدق ما رأيت، فقد ظهر كل الغضب على وجه المرأة وكأنها اتهمت في شرفها أو دينها, فقد راحت تزبد وترعد وتغضب على العرب ثم أخذت تدافع عن الحادثة وكأنها كانت طرفا فيها, ولم تعط فرصة ولو ضئيلة لوجهة النظر الأخرى, فالمسألة مطلقة, لا مؤامرة ولا يوجد أصلا في التاريخ مؤامرة, وراحت تلعن سلسفيل العرب, فاتضح لي من رد فعلها أن المسألة لم تعد وجهة نظر وعقلنة للوعي السياسي العربي, فالأمر مازال في سياقه, فبقدر ما صادر الثوار العرب العقل وراحوا يحولون المؤامرة إلى أساطير يبدو أن جماعة اللامؤامرة هم أيضا مندفعون في نفس الاتجاه, ومشكلة هؤلاء لن تقل صعوبة عن مشكلة جماعة نظرية المؤامرة, بعد أن بدأت أوروبا والعالم يشك في نوايا الولاياتالمتحدةالامريكية من سيطرتها على صناعة الكمبيوتر والإنترنت, فقد بدأت التقارير تتوالى عن العلاقة بين شركات الكمبيوتر الكبرى وأجهزة التجسس الأمريكية حتى قيل إن المخابرات الأمريكية هي التي فرضت على شركة أي بي أم أن تقبل ببرنامج التشغيل المعروف بالدوس من شركة ميكروسفت المتعاونة معها وحتى الآن والتقارير تشير إلى أن برنامج الوندوز الشهير يحمل في طياته ما يكفل لأجهزة المخابرات الامريكية التجسس على من تريد من مستخدميه, وبعيدا عن شواهد المؤامرة في التاريخ فكلمة مؤامرة في حد ذاتها كلمة قديمة وموجودة في كل لغات العالم، فهي جزء من ثقافة الإنسان سواء أردنا أو رفضنا. لمراسلة الكاتب