لنأخذ من أنفسنا العبرة.. نداء بوتقة من الصمت تصرخ كيف يمكن أن نعيش حياتنا بدون أنين وأصداء لضجيج قلوبنا؟ كيف يمكن أن تكون لذواتنا حضارة تصمد أمام ذوات الآخرين؟ كيف لنا بعقول تنعم بالثقة ملء نفوسنا؟ عقولنا سليمة.. ونحن لا زلنا نستمد القوة من ذواتنا، ونستطيع أن نواجه الحضارات التي تبني لنفسها حضارة من الذات مخروقة؟ حقاً لنا قبل أن نفصح عن ذواتنا أن نطلب أو نطالب بالأمان.. فالإفصاح عن الذات بعد إهمالها لسنوات حبيسة الأوراق كان لا بد أن يجف القلم وتصرخ ناطقة معبرة عما تحمله من معانٍ صادقة. ولكن هناك سؤال يطرح نفسه ويلح سائلاً: لماذا عندما تتحول هذه البوتقة المعلقة بين جوانب النفس إلى قشرة رقيقة تسمح بخروج نفسها للفسحة مع مَن تعتقد معه الأمان لتجد نفسها بعد هذه الحدود من الحرية تعود مقيدة عاجزة تبحث عن أمان آخر؟ أسئلة أكثر وضوحاً وأقرب للإدارك.. هل لا بد أن نفصح عن ذواتنا دائماً؟ هل هناك مَن يعطي هذه الذات قيمتها وحقها المسلوب؟ هل هناك مَن يحترم هذه الذات دون أن يصرعها برعونة في مهدها الآمن؟ كلنا يطلب الأمان حتى مع نفسه.. واللوم عندما يُلقى يُلقى على هذه النفس. ولكن السؤال الأقوى على النفس والرادع لها: هل خروجنا للبحث عن الأمان مع مَن نعتقد معه الأمان هو عدم ثقتنا بأنفسنا؟ فالإنسان إن لم يتوازن مع نفسه بحث عما يوازنها من خارجها؛ كالأعمى يبحث عمن يدله طريقه. إذاً لا بد لنفوسنا من ذواتنا المبتوتة أن تصطدم بذوات أخرى حتى تنال العبرة. إذاً فنحن واثقون.. ونحتاج فقط إلى التطبيل بمشاعرنا على مشاعر الآخرين لنسمع صدى طبولنا التي هي مشاعرنا.. ولكن ماذا جنت مشاعرنا على ذواتنا عندما صرخت بها لتصرخ بها قائلة: أنت رقيقة وجميلة، روحك عفيفة، ومبادئك عفوية، ونظراتك سليمة، ومنطقك صريح، ولغتك معبرة، وألفاظك قوية.. باختصار ...... أنت امرأة..... تبحث وتطلب الأمان لنفسها لذاتها الجريحة. الأمان فقط في كل وقت وبدون وقت.. تطالب أن تكون آمنة في سرب أفكارها وآمالها ومبادئها وعواطفها.. وليضع كل منكم عدد الخطوط حسب اقتناعهم على عواطفها.. أما أنا فأضع الكلمة ويبقى الخط جرحاً يعبث بأيامي المقبلة.. امرأة.. تطالب بأن تستودع.. فتأمن.. لا أن تودع.. فتُخان. إذاً.. ربما يكون الصمت أحياناً قدرة واقتداراً، وفيه من العبرة ما هو أبلغ من الكلام.. هذا سليم. ولكن عندما أخرج من بوتقة صمتي الهادئ إلى صمتي المدوِّي أخاطب البصيرة قبل أن يرى البصر.. وما يجب أن تدركه عين العقل لا عين الرأس. بأن الروح والنفس بذاتها لا تحتاج سوى الأمان.. والأمان من البصيرين لا المبصرين، وإلا فهل رأى بشار بن برد المعركة بعينه حينما وصفها بقوله: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ولكنها عين البصيرة التي تفتقدها النفس المبصرة. فكيف نطالب بالأمان إذاً ونحن مبصرون فقط؟ فلنعد خيراً لنا إلى صمتنا الهادئ قبل أن تخدش الأسرار ما تبقَّى من ذواتنا الصارخة.