تحدثت فيما مضى عن خطر التعصب الأعمى للأشخاص والآراء.. وتوهم أن من نحبهم ونميل إلى سماع كلامهم معصومون من الخطأ.. بل لا بد من استصحاب قواعد الشرع وبديهات العقل لتمييز الصحيح من الخطأ.. واليوم أتحدث عن خطر التفريط ومجاراة الأهواء ومشايعة الأفكار السائدة. وأذكر أن أحد العلماء الذين أكنُّ لهم الحب والتقدير وقف في ندوة عن المرأةعقدت في بلد عربي مسلم يؤول الحديث الشريف: «النساء ناقصات عقل ودين» بما يجعله نصاً تاريخياً له ظروف معينة وبيئة معينة وليس لكل زمان ومكان. ولهذا أخذ بعض الكُتَّاب يهللون لآراء الشيخ ويصفونه بالتفتح والاستنارة.. منددين بالعلماء الجامدين المنغلقين! والحق بيِّن في هذه القضايا.. معلوم من كتاب الله سبحانه ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. لا يحتاج إلى استنارة ولا تفتح.. ولا تجديد ولا ريادة.. بل يحتاج إلى قلب سليم وعقل سليم والتزام بالحق مهما ازورَّ الناسُ عنه! فنقص المرأة في جانب.. قد عوضه الله سبحانه بوفرة حظها في جانب آخر.. وقد عرفنا أن المراد بنقص العقل عدم الاعتداد بشهادة المرأة المنفردة في بعض الأحوال بل يشترط أن يكون معها امرأة أخرى {أّن تّضٌلَّ إحًدّاهٍمّا فّتٍذّكٌَرّ إحًدّاهٍمّا الأٍخًرّى"} والمراد بالضلال هنا النسيان.. فهذا عون للمرأة وتخفيف عنها ومساعدة لها في الوصول إلى الحق.. وليس المراد نقص عقلها في تكوينه أو صفته.. فالنساء شقائق الرجال. وكذلك نقص الدين.. ليس معناه أن إيمانها أضعف من إيمان الرجل أو أن تقواها أقل من تقواه.. بل المراد أن التكاليف الشرعية مخففة على المرأة في بعض الجوانب رعاية لظروفها.. فهي لا تقضي ما يفوتها من الصلاة أثناء الحيض والنفاس.. وهي غير مطالبة بالجهاد كما يطالب الرجل. ومن هنا فلا حاجة إلى تأويل الحديث وادعاء أن له ظروفاً خاصة وبيئة خاصة.. فالحديث صحيح.. ومعناه واضح وقد جاء تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فلا يجوز لأحد أن يصرفه إلى معنى آخر. وليس الهدف من هذا الكلام تسجيل الخطأ أو التشهير بالمواقف، فهذا مقصد لا يخطر بالبال.. وإنما المراد منه أن نكون على وعي بما نقرأ وما نسمع وأن نعرضه على المقاييس الصحيحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وألا يحملنا الإعجاب بعالم أو مفكر أو أديب إلى التعصب له وادعاء العصمة لقوله.. أو استنكار ما يوجه إليه من نقد أو مناقشة. إنها ظاهرة خطيرة يجب التنبيه إليها حتى نظل على الحال التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تجتمع أمتي على ضلالة!». ونعوذ بالله من تعمد الزلل أو الإصرار على الخطل!